خطاب العرض المسرحي العراقي - مسارات التجربة بين سلطة التكفير وتنوع التفكير

كتابات مسرحية



أ.د. عبد الكريم عبود عودة (العراق): خطاب العرض المسرحي العراقي - مسارات التجربة بين سلطة التكفير وتنوع التفكير

مسارات التجربة المسرحية العراقية منذ عام 2003-2016 نزع المعنى اللغوي المتداول في
اللسانيات لمصطلح الخطاب وتبني لها مفهوما أكثر شمولية مستندة في مرجعيات تنظيرها واستعمالها لمفهوم جديد على مجموعة من الكتاب والنقاد المعاصرين أمثال "ميشيل فوكو"([1]) و "إدوارد سعيد" ([2]) ليتحول معنى المصطلح إلى "شبكة معقدة من العلاقات
الاجتماعية والسياسية والثقافية التي برز فيها الكيفية التي ينتج فيها الكلام كخطاب ينطوي على
الهيمنة والمخاطر "([3]).
وعليه فان خطاب العرض المسرحي عابر للقارات وقادر بمنظومته البنائية وأنساقه الثقافية أن
يعلن عن تأسيس دلالة متنوعة الأغراض والأهداف .. دلالة ذات معنى قريب جدا من الإنسانية وبعيد عن وصفها بدائرة صغيرة للوعي .. دائرة مفتوحة لا تنتمي لحس طائفي أو ديني أو عرقي أو قومي أو إلى مسميات أخرى أفرزتها السلطة والتسلط من أجل أن تمارس جنون الظلم والقمع والتكفير. ولهذا فإن خطاب العرض المسرحي خالد بموضوعاته وافكاره وتحيده في إعادة خلق الواقع وصياغته فنيا بأشكال رؤيوية متعددة تنتج وظائف خلاقة ينطلق بناؤها من مسلمات هذا الخطاب الذي يمتلك زمن متحول ترتبط آلياته بمجموعة من الأنساق الثقافية التي تعطي للرسالة مستويات خطابها الموحد باعتبار أن رسالة المسرح فنية فكرية مزدوجة وفاعلة بحضورها العياني والروحي والفعلي .. حضور حي لعناصر وجود هذا الخطاب التكوينية والتشكيلية والبنائية.
في ظل مرحلة تاريخية الحاسمة للتحول، ثم تغير البنى الشاملة لتشكيل المجتمع في العراق أثر حدث مهول اسمه زمن الاحتلال، إنه اجتياح من قبل القوة المهيمنة سياسيا وعسكريا على عالمنا اليوم، دخلت الجيوش عام 2003 ..
عاش المسرح العراقي باعتباره جزء من الثقافة العراقية - حيرة المثقف - أنه بين نارين الأولى سلطة السياسة التي تمنعه ​​من البوح وكشف الحقيقة اللعينة القادرة على التحكم بمصائر الناس. والثانية سلطة الدين الذي تكبل عقله وتمنعه ​​من كشف إسقاط الوهم العالق بأذهان الجهلة، وما بين النارين، يتغلب المثقف حائرا هل يجد له طريق أمثل في اختراق وتجاوز هذه الصعوبات المهينة للحياة والتي حولت أفكاره وعنوان تحضره إلى مقاومة غير مجدية.
خطاب المسرح يزيح المركز ويكشف عن الهامش، وهو خطاب يأخذ من البوح عن المسكوت - الذي يبدأ بالتفكير وينتهي بالموقف والتحدي الذي ينتج تكفيرا في ظل حركة وجدلية هذه الخطابات السلطوية (الخطاب الديني - الخطاب السياسي) من قلق الحيرة وتناقضات السلطات مبتدأ بقراءة العقل المهيمن على مسارات الإبداع المسرحي الذي ينتقل في أطره الفلسفية والفكرية من التكفير الى تفكير وبالعكس، وعي يسطر لنا هذه المتناقضات بسرد دراماتيكي فالمحيط الثقافي عبر هذه السنوات (2003-2016) لا يمتلك سوى ذاكرة المحو التي ساهمت وتساهم في تغييب الثبات وتتعامل مع التأرجح بما يحقق لسلطات الخطاب المهيمنة ووجودها في انتاج الفكر، ويبعد خطاب العرض المسرحي عن فضاءات الاكتشاف والبحث عن الحقيقة العقلية الموضوعية التي تميز مساراته.
ومما تقدم فإن دراستنا تسعى للكشف عن محاولات المسرحيين العراقيين في إعطاء وإغناء خطابهم المسرحي مساحات من التفكير المتنوع الذي ينتج انجاز فني يعبر عن حقيقة ما يمر به المجتمع من محنة ليتحدى ويتجاوز ويخلق البدائل الموضوعية والعقلية في الرؤيا والتجسيد الممثلة لهذا الخطاب الابداعي.
كما يسعى البحث التعرف على التأثيرات ذات الأثر السلبي التي تحققت نتيجة هيمنة الخطاب الديني والخطاب السياسي بمنظور (الإسلام السياسي) ليكفر ويمحو وجود التفكير العلمي الساعي للتغيير في الخطاب المسرحي.
وعليه فقد تضمن البحث مقدمة ومبحثين أساسيين الأول نظري يستند في منطوقه اللغوي والنقدي في الكشف عن آليات التحليل الأيديولوجي والأبستمولوجي لطبيعة الإبداع في هذه الفترة التأريخية الحرجة من تاريخ العراق وكيفية تمظهر الوعي السياسي والديني بخطابهما وكشف سلطتهما في التأثير على الثقافة والحياة الاجتماعية في العراق.
أما المبحث الثاني فهو تطبيقي يعرفنا على طبيعة وسمات المسارات الخاصة بالخطاب المسرحي لهذه الفترة التأريخية والذي تشكل بثلاث محاور في انجازه وتواصله وتأثيره واشتغالاته وهذه المحاور هي:
1-مسرح المواجهة (نتاجات المسرحيين العراقيين في دائرة المحاولة والتجريب)
2-المسرح الشعائري والطقسي (مسرح التعازي الحسينية والشعائر الدينية)
3-المسرح التجاري (محاولات لكوميديا ​​المتذلة)
وقد تضمن هذا المبحث نماذج لعينات تطبيقية على مستوى عناصر الخطاب للعرض المسرحي العراقي حقق الباحث فيها وناقشها وصولا الى النتائج التالية:
نتائج البحث
ان سلطات الخطاب الديني والسياسي اخذت لها مديات في التأثير على طبيعة الخطاب المسرحي لتنتج ثلاث مسارات مهمة عبر تاريخ هذه الفترة وهي:
1-تجارب المسرحيين العراقيين ضمن المؤسسة الرسمية والاكاديمية والفرق المسرحية الخاصة، هي عبارة عن محاولات التحدي والتصدي الفكري والاجتماعي الذي اخذت من عمق تنوع الانفتاح في التفكير لتنتج تجارب ناجحة تكشف عن حقيقة المجتمع في هذه الفترة المحتدمة الصراع فهي تجارب ومسار للتفكير ضد التكفير.
2-المسرح الشعائري او الطقسي لم يتخلص خطاب العرض المسرحي في هذا المسار رغم تعدد مسمياته (مسرح التعازي، المسرح الحسيني، المسرح الاسقاطي .. الخ) من ارتباطه الروحي والديني من الشعائر الحسينية التي تقيمها طائفة معينة من المسلمين العراقيين في العراق .. ولهذا بقى هذا المسار شعائريا يأخذ علامات العرض السمعية والبصرية والحركية من اطار منظومة مرتبطة بهذه الطائفة وعليه فهو خطاب شبه مسرحي ملتزم بالعقيدة ولا يتحرر منها وهذا القيد لا يعطي مساحات للتفكير الابداعي في صناعة المنجز والخطاب المسرحي الجديد.
3- الخطاب المسرحي التجاري أخذ من الكوميديا ​​والضحك الذي لا يستند على علمية في كشف المفارقة في الحدث او الحوار او الشخصية .. بل هو خطاب يركز على الرقص والغناء الفاضح طريقا لكسب المال ..جمهور هذا الخطاب يتشوقون لمشاهدة اجساد من النساء تتحرك على المسرح ونكات باذخة المعاني، انه خطاب يؤسس للجهل طريقا ولهذا فهو اسس للتكفير من خلال تعميق مستويات الجهل وانحدار الذوق الفني الرفيع.

[1] - ميشيل فوكو 1926-1984: فيلسوف ومفكر فرنسي .. درس الجنون من خلال تحليله للتاريخ في كتابه تاريخ الجنون .. ابتكر مصطلح (اركيولوجية المعرفة) .. نشرت افكاره حول السلطة والخطاب وعلاقتهما بتاريخ الفكر الانساني.
[2] - ادورد سعيد 1935-2003: مفكر ادبي فلسطيني وحامل للجنسية الامريكية استاذ في جامعة كولومبيافي الولايات المتحدة الامريكية ومن الشخصيات المفكرة المؤسسة لدراسات ما بعد الكولونيالية.
[3] - تنوعت مصادر البحث ولم تنحصر على ادبيات الفن المسرحي بل تعدت في الخوض باعادة قراءة التداخل المعرفي المجاور في اختصاصات انثربولوجية وايدولوجية ودينية لتنتقي من سياقات التفكير والوعي جدل لكشف ستراتيجية انتاج الخطاب المسرحي ومستويات جسدية البصري والسمعي والحركي لتحقق من هذا التداخل بعد جمالي في دراسة الظاهرة المسرحية اليوم.

-------------------------------------------------------------------------------------------------------
المصدر : مهرجان القاهرة للمسرح المعاصر والتجريبي  - المحور الفكري -المحور الأول: ماذا قال؟ المسرح وتكفير الفكر العقلاني

إرسال تعليق

0 تعليقات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الأضواء المسرحية 2016

موقع الفنان والكاتب المسرحي محسن النصار

الاتصال بهيئة التحرير

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الأخبار المسرحية

الترجمة Translate

المشاركة في المواقع الأجتماعية

من مواضيعنا المتميزة