ثانية يجيء الحسين

مجلة الفنون المسرحية

محمد حسين حبيب 

تكونت مسرحية ( ثانية يجيء  الحسين ) للكاتب المسرحي والشاعر محمد علي الخفاجي الشعرية هذه من ثلاثة  فصول , الفصل الأول والثاني منها تضمن ثلاث لوحات في كل فصل , أما الفصل  الثالث فتضمن أربع لوحات , وكما حدد الكاتب زمن مسرحيته من 60 هجرية حتى  1967م , حيث كتبت هذه المسرحية في اواخر عام 1967 م وبحسب إشارة المؤلف إلى  ذلك .

تساءل الخفاجي في مقدمة المسرحية عن الأسباب الكامنة وراء الكتابة عن الإمام الحسين ( ع ) بالذات ... ؟ وفي هذه المرحلة التاريخية والتي أعقبت أحداث نكسة حزيران عام 67م , لان الكاتب ذيل مقدمته هذه بتاريخ 18 /12 / 1967م . محاولا الإجابة بالقول , إن " هذه المرحلة التاريخية بالذات مرحلة 60هـ  كانت تشكل لدي معادلا تاريخيا لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى هذا العام 1967م , والذي تجللت أحداثه بالخامس من حزيران وذلك لما بين المرحلتين من وصال موضوعي وحدثي في عديد من العوامل : في التمزق الداخلي , والصراع الطبقي , وفي غياب المسؤول الحقيقي عن ممارسة مسؤولياته وهو الشعب وفي ألتجزئة القطرية والتطاحن الصريح من اجل كرسي الحكم .. "  
في ضوء ذلك أشار الناقد العراقي طراد الكبيسي , إلى أن المسرحية " تطمح أن تحقق وجودا اجتماعيا وسياسيا معاصرا , رؤية معاصرة , ... لان جماهير الفقراء والمضطهدين قد أوجدت هذا البطل , البطل الذي يصنعه الشعب والتاريخ , لا البطل الذي يصنع التاريخ والشعب .. "   وبذلك حاول الكبيسي إعطاء المسوغ لهذا الوصال الذي أراده مؤلف المسرحية , إلا أن كاتب السطور يرى في أن المؤلف حاول إضفاء الجانب السياسي المعاصر لزمن كتابته للمسرحية , خوفا من احتمالية منع النص ونشره من قبل الرقيب آنذاك , لاننا لم نجد  في النص أي رابط درامي معين , في جميع مشاهد المسرحية وفصولها , ولا حتى أية إشارة لما ذكره المؤلف في مقدمته عن ذلك الوصال الموضوعي . 
لقد عمد الخفاجي في نصه كثيرا إلى استخدام الرمز , سواء في ملاحظاته أو في حوارات شخصياته , فلقد أشار في بداية اللوحة الأولى من الفصل الأول إلى وصف منظر القاعة في ملاحظته التي نصت على أن يكون "  في أول كراسي القاعة يظل احدها فارغا طوال مدة العرض في انتظار الآتي , إلى جانب الكرسي مشجب عليه بزة فارس يليها سيف معلق .. "   بهذا يكون المؤلف قد مهد لنهاية أحداث مسرحيته برمزه للكرسي الفارغ الذي ينتظر المنقذ والمخلص لواقع المظلومين والمستضعفين في الأرض , والذي ينتقم للإمام الحسين ولثورته الانتقام الأكبر , والمتصل بالوعد الإلهي في تخليص البشرية من كل الظالمين والفاجرين على وجه الأرض . 
يبدأ النص من واحدة من المنطلقات الأساس لواقعة الطف , المتمثلة بموقف محمد بن الحنفية ونصيحته للإمام الحسين ( ع ) فيما سيتخذه من المواقف القادمة 
إزاء نية أعدائه ومكرهم , فيقول الإمام الحسين ( ع ) لأخيه في محاورتهما التي جمعتهما في المشهد الأول : 

" الحسين : ... العالم ملتاث بالأدران 
وأنا ماض لأطهره بدمي 
ولقتلي وأنا اختار 
محمد  : أو لم يفقه ذلك سيف أبيك 
أو دمه الباقي حناء في فرح المحراب 
الحسين : ( مقاطعا ) إن كان ابن أبي طالب 
غير جهل العالم بالرأي أو السيف 
وعاد العالم للجهل 
فعلي لم يرجعه لجهله 
وعلى يده بلغ العالم سن الرشد ( صمت ( 
هب عاد العالم بعد رسول الله لغيه 
أفلا يلزم أن نضع العالم بكرا بعد محمد 
ولئن كان يزيد قوياً 
فلصوت الأمة لو نطقت أقوى .. "    عبر هذه المحاورة يحدد النص الاستهلال الأول الذي يمهد انطلاقة الأحداث المتتابعة وإعلان اللوحة الثانية عن موكب الحسين وهو يجتاز الصحراء قاصدا هو وعياله وال بيته وأصحابه الكوفة برغم اعتراض الكثير من محبيه ورأيهم في أن يعدل عن مقصده , فمنهم من يلقاه في الطريق , ومنهم من يستطلع عنهم الإمام بنفسه إلى أن يأتيه صوت يقول : ( الناس هناك / قبضة طفل تطرق باب السجن / كل أعطى حبل أرادته ليزيد / وهو يحاول أن يهرب منه / ويجيئك يا ابن رسول الله) .
لينتقل الحدث بعد ذلك إلى اللوحة الثالثة حيث الكوفة في حالتها قبل أن يدخلها مسلم ابن عقيل , فيظهر رجلان من أهل الكوفة , الأول أعرج ينتحل اسم ( ابن حديث ) والثاني معتدل الخطو لكنه يرتدي قميصا يتألف من ألوان كثيرة ينتحل اسم ( ابن معاصر ) , حاول المؤلف من خلالهما أن يرمز لعصره حيث تسلط الارتزاق والطمع والتلون ومظاهر الفساد التي تنخر في جسد المجتمع قديما وحديثا , على نسبة كيبرة من الناس , وبذلك حاول المؤلف إيجاد الرابط الموضوعي بين الماضي والحاضر .
مما تقدم , نرى أن الخفاجي قد كشف عن تأثره بالنص الملحمي , بدءا من وصفه لمكان الأحداث إلى حركة الشخصيات في نزولها من المسرح إلى القاعة إلى جانب اعتماده الرمزي في أزياء بعض الشخصيات , ووجود الجوقة وهي ترتل أناشيدها ما بين المشاهد لتصف الحدث أولا ثم تعلق عليه , ثم تدخله باحثة عن الإجابة المناسبة واتخاذ القرار.
ومما يؤكد ما ذهبنا إليه , ميل المؤلف إلى طريقة الكتابة على اللافتات بوصفها طريقة وثائقية , نجدها في مشاهد متعددة من هذه المسرحية فمثلا , نجد ذلك عندما يصف المؤلف ديكور اللوحة الثالثة من الفصل الأول : " في عمق المسرح بيت كتب على جدرانه كلمة يسقط وعلى الثانية كلمة يعيش .. " كذلك فعل المؤلف في اللوحة الأولى من الفصل الثاني حينما وصف " بيوت كثيرة كتب على جبهة كل بيت منها كلمة ( ابن زياد ) ... بيت واحد ... في داخله شجرة ظليلة مكتوب عليها كلمة (طوعة) . " هذا بالإضافة إلى استخدام المؤلف للوحات مكتوبة في مشاهد عدة كتب عليها : ( أصوات الزور ) و ( تاريخ الأتي ). يقول ابن معاصر مخاطبا ابن حديث:         
"قلت الناس على أصناف / مثل قميصي هذا / ( يلتفت للجمهور )
فانا بادئ ذي بدء / لم اكُ البس هذي الألوان / كان اللون الأبيض أفضل ما اختار/ 
لكني / حين رأيت الناس / تلبس كل نهار لونا / أبدلت قميصي الأبيض هذا .. " 
يكشف هذا الحوار عن استخدام المؤلف لرمزية اللون مسرحيا , بجانب إيغاله للكشف عن ادراكه لمرجعية اللون و اشتغالا ته في اللا وعي الجمعي لدى المتلقي , فضلا عن إعلانه الواضح عن مواقف الكثير من الناس ( المتلونة ) على وفق الحاجة والمنفعة الشخصية ، وهذا ما حدث فعلا إبّان وجود ( مسلم ابن عقيل ) في الكوفة , وهو يمكن أن يحدث في أي زمان ومكان إلى وقتنا الحاضر , وهذا ما أراد المؤلف أن يشير إليه . 
وفي ملاحظات اخرى للمؤلف نفسه , يؤكد من خلالها اهتمامه باللون ومدى فاعليته الدرامية في ترسيخ الفكرة والموقف , فيثبت مثلا في ملاحظة تقول : ( رجل اعور يرتدي ملابس حمراء ) وفي مكان آخر يثبت : ( الرايات الصغيرة السود تحتل جدران القاعة بترتيب ) .. وفي ذلك نرى , إن اللون عند الخفاجي يشتغل برمزية واضحة , على وفق مرجعية نظرية يونغ النفسية المستندة على اللاشعور الجمعي في التفسير وإحالة الأشياء إلى التقاليد والأعراف المتوارثة , ولقد اعتمد الخفاجي في نصه هذا باستخدام الألوان المعروف استخدامها في التعازي الحسينية , هادفا بذلك – من جملة ما يهدف – إلى الحصول على استجابة عاطفية آنية مع الحدث.
كما اهتم المؤلف بإشراك الجمهور في الحدث المسرحي من خلال الكثير من ملاحظاته في النص , وفي ذلك تأكيد على الأسلوب الملحمي والاحتفالي في الكتابة المسرحية , إلى جانب إعلان النص عن وثائقية مسرحية تقترب من المسرح التسجيلي في أحايين كثيرة , وهذا الأمر تؤكدهُ الإعلانات واللافتات المخطوطة التي يثبتها المؤلف في ملاحظاته عبر محطات متعددة في النص . 
ما يمكن الإشارة إليه, أن الخفاجي استبعد الكثيرمن التفصيلات التاريخية للواقعة, بسبب هامشية وجودها من الحدث المركزي , بخلاف ما وجدناه في بعض النصوص المسرحية العربية , وربما كان لهذا الاستبعاد أثره المباشر في تكثيف الأحداث المسرحية واختزالها وصولا لتسلسل درامي متصاعد نحو الأزمة , التي أراد الكاتب هنا الوصول إليها سريعا . 
تنوعت اللغة الشعرية في النص من حيث تنقلاتها من بحر إلى آخر بالوزن والقافية , ولكنها في الغالب توسدت لغة المصدر التاريخي الخاص بالواقعة , فنجد مثلا تنوعات لغوية كلغة الدعاء والشعر والهجاء والرثاء , تحيلنا مباشرة إلى مقولات أصلية معروفة , مع تصرف بسيط من قبل الكاتب بحسب ما تقتضيه الضرورة الشعرية في الصورة والإيقاع واللفظ , فضلا عن إعلان الشاعر الخفاجي فلسفته الخاصة تجاه مواقف وشخصيات عدة , فمثلا يقول الخفاجي وعلى لسان (محمد بن الحنفية ) : 
" الثورة .. هه / الثورة تأكل في اليوم الأول راس السجّان 
تأكل في اليوم الثاني راس المسجونين  
تأكل في اليوم الثالث صاحبها       
في اليوم الرابع / ينتفع الجالس في الطرق الخلفية "
كما نقرأ وعلى لسان الشمر : 
" لكن لا حاجة / فانا خلفت لكم أولادي 
ولعمري هم أكفاء 
فليصمت كل حسين / وليعلم أن على عاتقه سيفا من أبنائي 
لا ينزل حتى يقطع منه الرأس
-----------------------------------------------
المصدر : ملاحق المدى 

إرسال تعليق

0 تعليقات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الأضواء المسرحية 2016

موقع الفنان والكاتب المسرحي محسن النصار

الاتصال بهيئة التحرير

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الأخبار المسرحية

الترجمة Translate

المشاركة في المواقع الأجتماعية

من مواضيعنا المتميزة