مجلة الفنون المسرحية
------------------------------------------------
المصدر : صابر بليدي - العرب
المصائب لا تأتي فرادى على الفن الرابع الجزائري، فعلاوة على تراجعه في سلم اهتمامات وزارة الثقافة الجزائرية، بدعوى ترشيد نفقات القطاع، بعد تقلص مداخليها إلى النصف في الموازنة المقبلة، تستمر ذهنية التسيير الهاوي في الهيمنة على المسرح المحترف والهاوي معا، فلا زالت البيروقراطية الإدارية والمحسوبية وتصيّد الريع، قواسم مشتركة تهدد المسرح الجزائري بالانحدار بعد عقود المجد والإبداع.
تسير عملية التحضير للتظاهرات المسرحية بأنواعها المحترفة والهاوية باحتشام في الجزائر، في ظل تراجع الاهتمام المادي والمعنوي من قبل الوصاية، وفي ظل فشل الإدارة الفنية في الوصول إلى استقلالية ولو نسبية عن موازنة وزارة الثقافة الجزائرية، وإيجاد بدائل ومصادر جديدة لتمويل العمل المسرحي في الجزائر. وعلى عكس الفنون السينمائية والدرامية والموسيقية، التي لا زالت محل حظوة رسمية، فإن المسرح الجزائري يتجه إلى إلغاء أو اختصار العديد من التظاهرات والأيام الاحتفالية، بسبب عجز المؤسسات الرسمية عن تمويلها، كما كان الشأن خلال سنوات الرفاهية المالية.
وتكاد الأزمة المالية والإدارية تعصف بأكبر تظاهرتين مسرحيتين في الجزائر، دأب الجمهور والمختصون على متابعتهما كل صائفة، ويتعلق الأمر بالمهرجان الوطني للمسرح المحترف بالعاصمة، والمهرجان الوطني لمسرح الهواة بمستغانم، الذي يعد من أعرق النشاطات المسرحية في البلاد، كونه أطلق في السنوات الأولى للاستقلال على يد نخبة من الفنانين والمؤلفين من أبناء مستغانم.
واحتضنت مستغانم خلال الشهر المنقضي لقاء وطنيا، شارك فيه العديد من المسرحيين الهواة وقدماء المسرح ومؤسسي المهرجان، تحت إشراف المحافظ الحالي محمد نواري، لإعداد قانون داخلي خاص بالتظاهرة، ومناقشة العراقيل والمشكلات التي تعترض الفرق الهاوية، فضلا عن التحضير لخمسينية المهرجان المقرّرة العام القادم، وشكلت إشكالات التمويل والتكفل بنفقات التظاهرة، الجانب الرئيسي في اللقاء، وبقي كل شيء معلقا على ما تجود به الخزينة العمومية والمساهمون الحكوميون، في ظل عجز الإدارة الحالية عن إيجاد بدائل ناجعة تكفل الاستمرارية والاستقلالية للمهرجان.
على عكس الفنون السينمائية والموسيقية، التي لا زالت محل حظوة رسمية، فإن المسرح الجزائري يعاني التهميش
وتهيمن صراعات سياسية وأيديولوجية خفية حول إدارة المهرجان منذ سنوات مضت، وظلت شرعيتها محل تجاذب بين التوجهات المتضاربة، بين باحث عن وصاية مركزية تحت إشراف وزارة الثقافة، وبين مطالب بالاستقلالية عن الأطراف السياسية والإدارية وتشكيل مؤسسة مستقلة من الفنانين والنشطاء المحليين، بما أن المهرجان تأسس بمبادرة من أبناء المدينة، وبين من يريد إلحاقه سياسيا وأيديولوجيا بهذا الحزب أو ذاك تحت مسمى جمعيات وتنظيمات أهلية، كما هو الشأن بالنسبة لحزبي السلطة (التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني)، وكذلك الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية.
وكان فنانون ومؤلفون هواة من مختلف محافظات الجمهورية، قد نفذوا احتجاجا أمام مبنى المسرح الجهوي بمدينة مستغانم “ولد عبد الرحمن كاكي”، للاحتجاج على تنحية وزارة الثقافة، للمحافظ السابق محمد تكيرات والفريق العامل معه. وعبر المكلف بالإعلام في المحافظة السابقة عبداللطيف بن أحمد، في الرسالة التي رفعها المحتجون للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، عن تضامنهم المطلق مع المحافظة السابقة، ورفضهم لتدخل وزارة الثقافة من أجل فرض المحافظ الجديد محمد نواري.
وقال عبداللطيف بن أحمد “التمسنا صدقا في الرؤية المستقبلية الراشدة وتحقيقا للأهداف التي بني عليها مهرجاننا، وإخلاصا منقطع النظير في خدمة هواة المسرح من شباب يأمل في غد أفضل، ففتحت أبواب التربص والتكوين أمام كل هاو جزائري، وفاق عددهم في السنة الأولى 113 متدربا، ما حوّله (المهرجان) إلى متنفس لهواة المسرح”. وكان رد فعل وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي، في رد ضمني على رسالة محتجي المسرح الهاوي، بقوله “لا أملك أي موقف فيما يخص تنحية محافظ مهرجان مسرح الهواة محمد تكيرات، وأن تغييره أمر عادي وأن معظم هذه التظاهرات شهدت تغييرات وذلك سعيا من الوزارة في البحث عن التجديد وإعطاء روح متجددة لتلك المهرجانات، ولا يفوتني أن أشكر محمد تكيرات وفريق عمله لما بذله معهم من جهود، وما أنجزه من عمل جبار، وذلك منذ تنصيبه إلى غاية إقالته”.
ويؤكد المحافظ الجديد للمهرجان محمد نواري، بأن نجاح الطبعة الـ49، وسريانها في أحسن الظروف تكفل للمحافظة تثمين نجاحها في التحضير لخمسينية المسرح الهاوي خلال الصائفة المقبلة، وفق أجندة تم تسطيرها من فريق المحافظة، ويجري تنفيذها بدقة، من أجل إعطاء الزخم اللازم لعراقة وطموحات الفن الرابع في مدينة مستغانم. ويصيف “خمسينية المسرح الهاوي، تستهدف إبراز عراقة التظاهرة الفنية ومصادر إلهامها ورموزها ونشطائها، وطموحات المهرجان لتطوير مستوى الحركة المسرحية عبر توظيف الموروث الثقافي والفني المحلي، باستقطاب ركائز المسرح الجزائري في صف الفرق الهاوية، والدفع بوتيرة النقاش وترقية مستوى العروض، واستغلال مدينة مستغانم السياحية وأماكنها الخلابة لعرض المسرحيات في الهواء الطلق، للعودة بالبعد الشعبي لهذه التظاهرة الثقافية”.
المصدر : صابر بليدي - العرب
0 تعليقات