آراء حول مسرحية "أنتيغون " لسوفوكلس

مجلة الفنون المسرحية

وصف الفيلسوف هيجل هذه المسرحية بأنها من أعظم و أبدع الأعمال التي عرفها العالم قديما و حديثا و أنها من أكثر الأعمال الفنية إشباعا و تفوقا 
و منذ ذلك الحين تزايد الاهتمام بهذه المسرحية و حظي أبطالها ، و خاصة أنتيغون و كريون ، بكم غير مسبوق من اهتمام دارسي الكلاسيكيات بشكل خاص و دراسي الأدب بشكل عام  ، بل جائت هذه المسرحية في مقدمة المسرحيات الكلاسيكية التي دخلت إلي محاضرات الفلسفة الأخلاقية و النظريات السياسية في الجامعات و المعاهد المتخصصة في جميع أنحاء العالم .
يتضمن بناء المسرحية الثنائي مجموعة من الشخصيات المتقابلة ، نجد في بدايتها أختين . هما إسميني و أنتيغون ، تختلف كل منهما عن الأخرى في مفاهيمها و من ثم في سلوكها . و من بعدهما يدور الحديث حول أخوين هما " إتيوكليس و بولينيكس " أولهما محب للدولة و الثاني عدو لها ، و هما في الوقت ذاته عدوان لدودان رغم رابطة الدم التي تجمع بينهما . و لدينا فضلا عن ذلك شخصيتان رئيسيتان تعارض كل منهما الأخرى ، هما " أنتيغون و كريون " و ينشب بينهما صراع لا سبيل إلي المصالحة فيه ، نظرا للاختلاف الجذري بين فكر كل منهما و معتقداته و تكوينه العاطفي و النفسي . و في الوقت ذاته لدينا مواجهات عاصفة بين الشخصيات ، مثل المواجهة التي تتم بين كريون و ابنه هايمون ، و المواجهة التي تدور بين كريون و العراف تيريسياس .
كذلك لدينا شخصية ذات صلة مزدوجة بقطبي الصراع ، هي شخصية هايمون الذي تتمثل فيه مأساة الموقف برمته ، فهو خطيب لأنتيغون معجب بشجاعتها و برها بأخيها المقتول ، و هو في الوقت نفسه أبن الملك كريون ، يحترمه و يرغب في الاستمرار في هذا الاحترام . و هايمون معذب بسبب هذه الصلة المزدوجة التي تدفعه في النهاية إلي تدمير نفسه يأسا و قهرا .لقد أكد أرسطو في كتابه " فن الشعر " ـأن جزءا كبيرا من المتعة التي يشعر بها المتفرج في العرض المسرحي تأتي من القصة و من اللغة ، ثم جمال الإلقاء و موسيقي الشعر و جمال الإيقاع و تأثير المنظر و حركة الممثلين علي المسرح ، و من التابلوه المسرحي و تصميم الرقصات ، و من شكل الملابس و القناع . و رغم أن أرسطو يولي أهمية كبري للمغزي الأخلاقي للقصة و للشخصيات ، فإنه لا يغفل أهمية العناصر الأخرى للمشاهد .
درج معظم النقاد منذ عصر النهضة علي ضرورة ارتكاز المسرحية علي شخصية محورية ، عرفت منذ ذلك الحين باسم " البطل التراجيدي " . و لما كانت المسرحيات الإغريقية تسمي عادة باسم إحدي شخصياتها الرئيسية-فقد أثار النقاد الذين تصدوا لمسرحية أنتيغون تساؤلا ظل يثير قدرا غير يسير من الجدل و النقاش لفترة طويلة ، و هو : أتكون الشخصية المحورية في المسرحية هي أنتيغون أم كريون ؟ و كان دافعهم لهذا التساؤل هو اختفاء أنتيغون في منتصف المسرحية تقريبا ، علي حين ظل كريون يكابد المعاناة حتي ختامها و من هذه الوجهة فإن مسرحية أنتيغون تعد مسرحية فريدة من حيث صعوبة فهم مغزاها ، و هو أمر غريب حيث أنها لاقت القبول و الاستحسان علي مر العصور ، كما أنها عرضت في العصور الحديثة أكثر مما عرضت أية مسرحية إغريقية أخرى ، و نالت عند عرضها نجاحا منقطع النظير 
و قد أشار H. D. F . Kitto إلي هذه النقطة مبينا أن النقاد قد وجهوا النقد لمسرحية أنتيغون بالقدر نفسه الذي انتقدوا به مسرحية " أياس " لسوفوكليس ، لأن أنتيغون التي اعتبروها الشخصية المحورية تتفي منذ وقت مبكر ، تاركة إيانا وجها لوجه أمام كريون و هو يلقي مصيره في نهاية المسرحية 
و يري أن هذا هو نفس ما حدث بالنسبة لأياس في المسرحية المسماة باسمه ، إذ أنهي حياته في النصف الأول من المسرحية ، تاركا إيانا أمام نزاع طويل و جدل محتدم حول أحقيه دفنه . أوضح Kitto أن مركز الثقل في مسرحية أنتيغون لا تحتله شخصية واحدة بل تتقاسم بطولتها شخصيتان ، و أن أكثرهما أهمية لدي سوفوكليس هي شخصية كريون .
و يتفق ألبن ليسكي Albin Lesky مع Kitto في أن مسرحية أنتيغون تطرح فكرة رئيسية مؤداها أن الكراهية- و هي أمر مفزع يؤدي ألي اضطراب شامل في سلوك البشر- لابد أن تظل داخل حدود معينة و لا ينبغي أن تستمر إلي ما بعد موت الخصم 
و يوضح ليسكي أن أنتيغون تعكس صورة البطل السوفوكلي بإرادته القوية ، و بتصميمه الذي لا يقبل الحل الوسط ، و باعتقاده أن المساوومة أو الانسحاب نوع من الإإغراء لا ينبغي الخضوع له . و يري كذلك أن تخلي إسميني عن أختها ، و تركها لتتصرف بمفردها-قد منح أنتيغون إحساسا بالوحدة و العزلة التي تميز كل شخصيات سوفوكليس العظيمة .و لا يوافق ليسكي علي تفسير هيجل Hegelالذي يرى فيه أن مسرحية أنتيغون تقدم راعا موضوعيا بين موقفين صحيحين : أحدهما موقف الأسرة " أنتيغون " و الثاني موقف الدولة " كريون " ، و يستند ليسكي في اعتارضه هذا علي ما استنتجه ن المسرحية : و مؤداه أن سوفوكليس يدين موقف كريون صاحب القرار المتغطرس ، و يبيين في الوقت نفسه أن ما تقاتل أنتيغون من أجله في الحقيقة هو قوانين الأرباب غير المدونة ، و هي قوانين لا ينبغي للدولة أن تعارضها أو تتصارع معها مطلقا ، كما أن كريون في الوقت نفسه ليس ممثلا للدولة بمفرده فالدولة في الحقيقة كانت تقف في صف أنتيغون .

--------------------------------------------
المصدر : الموسوعة الحرة

إرسال تعليق

0 تعليقات

جميع حقوق النشر محفوظة لمجلة الأضواء المسرحية 2016

موقع الفنان والكاتب المسرحي محسن النصار

الاتصال بهيئة التحرير

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

زيارة مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

زيارة مجلة  الفنون المسرحية على الفيسبوك
مجلة الفنون المسرحية على الفيسبوك

المشاركة على المواقع الأجتماعية

الأخبار المسرحية

الترجمة Translate

المشاركة في المواقع الأجتماعية

من مواضيعنا المتميزة