كتابات مسرحية
تعد نظرية الدراما من الفنون التعبيرية الأولى التي كشفت عن توق الانسان الى المعرفة، وقد جسدت تساؤلاته الوجودية في متون محاكاتها ، إذ تمثل حقيقة وجود الانسان وجدلية الوجودية القائمة على أن الصراع متن الدراما الرئيس، وما الحياة الانسانية إلاعبارة عن صراعات متعددة الاسباب، ومن الصراع نتجت المعرفة، وعند تأمل واقع الحياة بشكل مجرد نجد أن كل ما أنتج الفكر الانساني هو عبارة عن أدراك لماهية صراعاته الروحية والمادية، فالدراما هي الادراك الاول للوجود الذي يحقق صداه الاول في الاسطورة، وما الاسطورة إلا تعبيراً عن شكل الصراع الميتافيزيقي، فكان صورة تعبيرية شفاهية مثلت المدرك العام لسؤال الانسان الأول عن أثر الصراع في حياته، ومن هذا المنطلق في قراءة الدراما جاءت فكرة كتاب (إضاءات في نظرية الدراما) لمؤلفيه( د.سافرة ناجي.. وحمد حماد )والذي جاء في مقدمته. أن أثر الصراع في حياة الانسان كان أحد الاسباب التي أدت الى أن يقييم طقوسه الدينية، ومن جدلية الدراما نتج الدين، وهذا موقف معرفي تحول بالفكر البدائي الاول الى أن يصيغ لهُ رموز تمثل صراعه الميتافيزيقي. ومن الواحد الى الكثير التي أدت الى أنشاء بنى أجتماعية قوامها الفرد ثم العائلة فالقبيلة الى أن توسعت القبائل في دول وأمبراطوريات، وخاصة الانسان الى تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع أستلزم وسائل عديدة وفكر يحدد ويوصف هذه العلاقة.
وعن مجمل أشكالية هذا أخترع وسيطاً للتفاهم، يمكن أن يكون فضاء تواصل ووسيلة من وسائل التفاهم التي أنتجها الفكر الانساني في صورة رموز اللغة على مستوى الصوت أو العلاقة الدرامية بصيغ متنوعة مما ولد نوع من التداخل الفكري في نصوصها، وأذا أخذت الدراما من الاسطورة موضوعاً، لأن الدراما في مولدها الفكري هي السا بقة ولكن مدلولها الحركي المشهدي هي اللا حقة لان فنون المشاهدة الدرامية بحاجة الى بنى معرفية متقدمة من شأنها أن تستوعب الشكل الفني الحي لارسالية الدراما وفنونها، سيما وأن كل التأكيدات والبحوث الفلسفية وآراء المنظرين تؤكد أن المحا كات غريزة أنسانية كامنة في وعي ولا وعي الانسان، هذا المتن التعبيري الذي يواكب ويستجيب الى الفكر، ليكون فضاءاً إبتكارياً للإنسان المعاصر. ولانها تحاكي ماهية الوجود حددها الكثير بأنها تتسم بالتقليد لهذه الماهية، وهذا الالتباس المفاهيمي حاولنا في دراستنا أن نضيئة، وعلى ضوء هذا لم نعيد شرح تفاصيل العناصر المشكلة لإجراءات الدراما في التراجيديا والكوميديا، وأنما قد تم أضائتها من خلال جدليتها المعرفية بوصفها سؤال الانسان الأول/ سؤال الوجود، وتفصيلاً لفكرة الدراسة أشتغلنا على الفكري المعرفي بوصفها دالة الوجود الحضاري للفكر الانساني والشكل له، لهذا حددنا بالعناوين التي ضمتها متن هذه الدراسة، ونعتقد أن هذه الدراسة ستفيد الباحثين والدارسين والمهتمين بفنون الدراما، وكلنا وعي وأدراك أن المعرفة دائرة مفتوحة في السؤال المغاير لمحولات ما أنتج الفكر الانساني، وهذا ما يؤكد عليه قانون الدراما بأنها ذات سيا قات متحولة من أجل إعادة صياغة معنى آخر لهذا الوجود.
وفي استهلال أول تحت عنوان (الدراما سؤل الوجود) تعد الدراما من الفنون العقلية- الحسية التي تستبطن سؤالاً إشكالياً حول ماهية الوجود الإنساني وحركية تفاعله معه وتعاطيه وماينتج عن هذا التعاطي من موقف جديد.. ولان الانسان والوجود عبارة عن ثنائيات متضادة تحقق وجودها من خلال الصراع بين هذه المتضادات، سيما وأن كل محمولات الوجود هي صورتي ظاهره وباطنه، ولكل من هذه الصورة دوال مفاهيمية يحققها الاستنتاج الذهني لها، ليشكل بذلك موقفاً جديداً، وعلى ضوء هذه التناقضات تحقق الدراما دالتها في أنها مستقرء هذا الوجود من خلال ثنائية التضاد بين العقل والحس وعلى ضوء هذا تعرف الدراما.. وفي باب الفصل الاول الموسوم (محاولة التوفيق بين المتضادات الوجودية لأنتاج موقف جديد) نقرأ: تعد الدراما وعي الإنسان الاول بالوجود، ولكي يعبر الانسان درامياً عن وعيه فهو بحاجة الى أن يبحث عن صياغة معينة أو أطار تعبيري يمكنه من أن يبلور أفكاره عبر أداة التعبير المختارة. وفي الباب نفسه: أن مفهوم الدراما قا ئم على خلق المدركات الواعية بالوجود. بوصفها فن إعادة تركيب مستمر بتجربتنا.. وأنها عملية جدل للاتصال الانساني.
إذ تعيد تنظيم أجراء الوجود الملموس واللا ملموس في صيغ أخرى، وبما أن الدراما معرفة مؤجلة لخلق الصور الذهنية على مستوى النص.. إذ تسعى لتؤسس الى تحقيق معنى اخر مجرد، ففنون الدراما هي إستجابة لكل ماهو أشكالي وفظيع، أنها تعلم الانسان عدم التوقف أو العودة الى الوراء أو الانكماش.. فالدراما تجاوز للواقع بما هو موجود...الدراما والميتافيزيقي.. عنوان محبث .جاء فيه:ان محمولات الدراما الفكرية تنطلق من محاكاتها للحضور المادي للإنسان وجدلية علاقة الغيبية مع الطبيعة ذات المعطيات الماورائية ‘وتشترك كل من الدراما والميتافيزيقيا في انهم فضاءات انشائية معرفية تحاول أن تعبر عن الوجود،أوتجد دالة تشير له معبرة عنه بشكل ما وفضاء المقارنة بين الدراما والمتافيزيقيا في أنهما من(الآن)المتفاعل مادياً في التعاطي مع الوجود،ويعرَّف المذهب الميتافيزيقي على انه((اتجاه أدبي وفلسفي يبحث في ظواهر العالم بطريقة عقلية وليست حدسية صوفية ويمزج العقل بالعاطفة ويبتدع اساليب أدبية تجمع بين المختلف والمؤتلف من الاخيلة الفكرية والظواهر الطبيعية ))كما جاء في هذا الباب .الطروحات المتافيزيقية تكتنز جدلية الدراما الفكرية من خلال الواقع والمشا بهة معه رمزيا إلا انها ايضاً تعارضه في سؤال ماهوي لما بعد الوجود ، لذلك فأن الدراما هي فعل السؤال الدائم عن كل ماهو كامن خلف ماأظهر لنا الضوء من اشكال ،وبمعنى آخران كل مايظهر مع اكتشافه فانه يستتر شيئا آخرغير منظور ،لهذا في كل مرة تقدم الدراما قراءتها له بشكل تعبيري جديد فمرة من خلال الاسطورة وثانية من خلال الشعر واخرى من خلال الملحمة،فهي تقدم توازناً من خلال الذاتي والمحسوس والمادي والموضوعي في صياغة جمالية لاكتشاف الوجود ،لذلك فأن قراءة عقلية حسية لتغيير ظواهر الوجود بتعدد اشكالها،.ومن خلال ما تقدم يمكن القول بأن الدراما هي القراءة الكلية الجدلية الفكرية لظاهرة الوجود الانساني بكل مايظهر ويحتجب عن العقل الانساني،فهي فضاء ادرك العالم (المثل\الميتافيز يقيا)،تعمل على ادراك عالم المثل من خلال العالم المحسوس ،التي يظهرها الخيال القادر على صياغة ما تفترض الدراما ان يكون عليه العالم من حوله ،ومن هنا يمكن القول ان علاقة الدراما بالميتافيزيقيا هي البحث عن اسرار الوجود وسؤالها الاستفزازي له مدركات حسية .وفي (الدراما والاسطورة)نقرأ:تعد الدراما تجسيدا للصراع الدائر في الحياة ،في محاولة للكشف عن جوهر هذا الصراع ،اي انها ليست مجرد تصوير للصراع،لكونها تضفي عليه ادراكها وفهمها لقوانينه ،فتقدمه بحلّة جديدة من خلال الرؤية والمعالجات التي تطرحها للحياة في صورة درامية واعية .كما جاء في الكتاب:هل ان الاسطورة الحديثة تتوازى مع الاسطورة القديمة؟-ان الاسطورة لاتشكل بؤرة لنصها الجديد من كونه يعتمد على الابتكار والخلق،فهي تنشأ من اعماق الذات الانسانية المعاصرة لتنسجم مع مشكلاتها وقلقها المعاصر،ومع هذا فأن الاسطورة القديمة والحديثة يتوازيان مع كونهما يمثلان صورة من الخلق الألهي،ومن هنا نستخلص بأن الاسطرة الدرامية هي سلوك اجرائي فني يختص بالبناء وآليات التشكيل الداخلي للنص،من غير ابتكار قيمة معيارية لمثله الجديد،إذ ترسم رؤيتها عبر اسطورتها الجديدة.وقد استشهد المؤلف بمعادلة (الأسطورة+دراما=اسطرة)ومن ذلك نستخلص بأن الدراماهي الفكر المؤسطر لقيم المثال ،ولهذا تعد الاسطرة هي الاجراءات التقنية التي يجريها الكاتب في تشكيل البنى الداخلية للنص الدرامي ،أي ان الاسطرة هي كل ما يقدمه المبدع في شكل تعبيري عن الواقع الانساني.وعليه نجد ان الدراما واجراءها الاولي الراسخ في الاسطورة هي الشكل الاول الذي ظهرت به الدراما المتوافقة مع فكر الانسان البدائي آنذاك .وفي باب (الدراما والرمز)ان محاكات الدراما الاسطورية تتخذ من الرمز مدخلاً لايجاد معادلات موضوعية لحركية الوجود.لذلك نجد الدراما توظف أو تستعير تعابير رمزية لتمثل مفاهيم لانكون قادرين على تحديدها أوادراكها تمام الادراك .وفي (الدراما والشعر)يتداخل نسقي الدراما والشعر على أعتبار ان الشعر شكل من اشكال المحاكات التي لهما نظامهما المتداخل درامياً لذلك فأن العلاقة بين مفهوم الدراما لمدركات الواقع الانساني والشعر ،أوغنائية الوجدان الذاتي هي علاقةحركية متداخلة في البوح ،إذ كلاهما يجمع بين المنطق الخاص للبوح الفردي وبين المنطق العام للبوح الجماعي مادامت الدراما تمثل فضاء هذه الحركة بانساقها المتداخلة جمالياً،لهذا يعد الشعر عند(ارسطو)هو "فن المحاكات:ان الشاعر محاك مثله مثل المصور أو أي محاك آخر"، مايؤكد على عمق التداخل بين الدراما والشعر،ولاسيما كلاهما يكشف عن حاجات الانسان ويناقشها جماليا، لذلك تعد الدراما هي"ذلك النوع الفني الذي يمثل التركيب النهائي للشعر عموما".وفي(الدراما والفلسفة)كتبوا:تعد الفلسفة هي السؤال الذي يبغي الحقيقة وادراكها،وعلاقة الدراما بالفلسفة هي علاقة تحقق المجرد عند زجه في فضاء التجريب الجمالي ، وهذا يشير الى ان الدراما هي فضاء فحص التساؤلات الكونية لان"الفلسفة تنتج نظاماً مترابطاً من المفاهيم التجريدية تدعي تفسير العالم،والدراما تقدم نظامها المترابط لمفاهيم الفلسفةالمجردة في حدها الجمالي وتوظيفها في خلق نظام انساني ذو نظام تراتبي،وبناء على هذانجد ان تعاطي الدراما مع الفلسفة هو أحد التقنيات الفكريةالتي كشفت عن الوجود وصراعه الفكري في ماهية الكون والاشياء ،وعليه فان الدراما والفلسفة هما حدي الوجود.وتناول الكتاب عدة محاور مثل :الدراما واللذة الجمالية،والدراما والقدر،والدراما والملحمة،وفي هذا المحور:تنفرد الدراما عن الملحمة في انها تكشف عن الشخصية ،سيما الملحمة تشرح كل شي للمتلقي وتغلق عليه دائرة البحث أو التوقع لما يمكن ان يحدث لمستقبل قص الحدث،والابرز في ذلك ان المشكلة العامة هي التي تتحكم في الملحمة،بينما الشخصية في الدراما هي من يمنح المشكلة قيمتها،ولاسيما فيالدراما الحديثة.كما جاء في الكتاب محاور:الدراما والشكل،والدراما وقانون التراجيديا، وقانون الكوميديا الدرامي، وثنائية التضاد،والدراما وقانون الحبكة،وايقاع الفعل الدرامي،والدراما ومفهوم البطل التراجيدي،والدراما وتقنية الاكتشاف والتحول،والدراما والزمن والمكان،والعقدة والفعل،والدراما ومفهوم التما ثل،والدراما ومفهوم السرد،وفيه:الوجود عبارة عن سرد متواصل وحكاية انسانية طويلة،وما الافعال الانسانية إلاشكل من اشكال الحكاية حتى وان تعددت انساقها الثقافية ،لذلك يعني السرد بصوت عال ،وبما ان الدراما تمتاز بخصوصية زج جميع الاجناس الفنية الاخرى في خطابها ،فعندما تستعير اللغة لتقديم الفعل الدرامي عن طريق الشخصيات فهي تمارس عملية السرد ولكن بتقنية التقديم لا العرض.اما محاور الكتاب الاخرى:الدراما ومفهوم التطهير،والدراما والاسلوب،ومنه الاسلوب الدرامي له قيمة اسلوبية خاصة به تحددها طبيعة الموضوع المحاكى وهذا نجده حاضراًفي الفنون المجاورة للدراما،إلا ان الاسلوب الدرامي هو الانحراف بالكا مل عن الواقع بغض النظر عن الشكل الذي يظهر فيه،فهو يكتنز الانحراف متناًجمالياً.وفي محور الكتاب الاخير الدراما والمجتمع ،نجد ان هناك تخصصاًفي المتن الداخلي لهذه النصوص،وعليه نجد ان علاقة المجتمع بالدراما الآن تغيرت من منظور الخصوصية البحتة شكلاً ومضموناً،ليكون محاكاتها موضوعاً انسانيا عاماًبالدال العام وشيوع المدلول..ومن خاتمة الكتاب نختزل :الدراما متن تعبيري ذات مسارات فكرية تبحث عن حقية الوجود عبر نسقاها الاجرائي الرئسيين التراجيديا والكوميديا.وما الفلسفة واسئلتها عن الحقيقة إلا أنثيالاًعن الدراما،سيما وان الدراما تؤكد على فاعل ومحرك الوجود (الانسان)بما يمتلك من قدرة تخيلية على صنع الرمز، فان المثل وصورتها(الافلاطونية)ما هي إلا من صناعة هذا الفاعل،فحقيقة المثال هو الانسان ،ولتحقيق ذلك فانها تؤكد على قانون تقديم الفعل لاسرده،لان الاول ينتج فكر والثاني يكمم الفكر،لذلك قانون الدراما انتاج المدلولات اللامتناه ،لهذا نؤكد ان الدراما هي الفن التعبيري الاول وما الاسطورة والغنائية والملحمية إلاموقف جمالي من مواقف الدراما من الوجود،وكما تأكد ذلك في ان الدراما قانون متحول دائماً لكل عصر جديد فأن الاسطورة هي تعبيردرامي عن الوجود ومحدداته الفكرية آنذاك ،وكما في باقي فنون التعبير..
----------------------------------
المصدر : دار الشؤون الثقافية العامة
0 تعليقات