مجلة الفنون المسرحية
شريط إبداع متواصل صنعته نخبة متسلسلة من رائدات المسرح، ابتداء من الرائدة (زينب) وراهبة المسرح آزادهي صاموئيل الى عشرات من الممثلات اللواتي أغنين خشبة هذا الفن بأروع الأعمال المهمة، نجمات رسخت اسماؤهن في ذاكرة الفن العراقي وجيل يسلم الراية لآخر امتد ليصل الى عواطف نعيم والتفات عزيز واقبال نعيم وشذى سالم هناء محمد وسهير اياد وهديل كامل وآسيا كمال وبشرى اسماعيل وسهى سالم وسوسن شكري وغيرهن، لكن ثمة غيابا واضحا لذلك الطراز الذي صنع تاريخ المسرح العراقي وعقما واضحا في ولادة نجمات شابات يكملن المسيرة المطرزة بالعطاء لرائدات ونجمات المسرح العراقي. ولهذا يبرز سؤال كبير، من يكمل المسيرة ومن يحمل الراية بعدهن؟؟.
انه ذات السؤال الذي طرحته الفنانة سوسن شكري في مسرحية “الخيانة” التي عرضت مؤخرا، هو ذاته سؤالنا وبحثنا دوما. حيث قالت (وأنا بهذا العمر هل يعقل أن أمثل دور فتاة في العشرين)! الشبكة استطلعت آراء ممثلين وممثلات ومخرجين حول هذه الأزمة فكانت كالاتي:
ما مخبأ قد يقلب المعادلة
الفنان محمود أبو العباس يقول: أعتقد من خلال مشاهداتنا ورصدنا للأعمال أنها مشكلة في الوطن العربي عموما. وربما سبب التقييم عندنا: هو أن الأعمال القديمة كانت ترسخ في الذهن بسبب عدم وجود فضائيات تتيح لنا مشاهدات كثيرة. وبرأيي هناك أسباب كثيرة لافتقارنا لممثلات مسرح شابات، لعل أهمها الظرف غير المستقر اجتماعيا وماديا، فضلا عن أن المشاركة في عروض شعبية بسيطة هدفها الربح اليومي لا تفرز ممثلة، والعروض الموغلة في الغرائبية تركز كثيرا على الشكل وتبتعد عن طاقة الممثلة التي تشير إلى تميزها. فضلا عن اختفاء الكثير من الطاقات بعد التخرج في معاهد وكليات الفنون وفتح المجال لممثلات جاءت بهن الصدفة!!
إلا أنني مؤمن بأن ما مخبأ من ممثلات بسبب الظروف يمكن أن يقلب المعادلة.. وأن لدينا طاقات شبابية واعدة فالعراق معطاء في كل المجالات.
المسرح صناعة حياة
الممثلة التي كانت ولازالت ترفد المسرح بأجمل الأعمال بشرى إسماعيل تحدثت قائلة: على ندرتها هناك طاقات لشابات واعدات في المسرح، ولكن هناك أزمة حقيقية ومحنة مجتمعية محورها التناقضات والتقييد التي جعلت العائلة العراقية تتخوف من دخول الفتاة للفن من دون فهم أن الفن رسالة إنسانية، ما خلق شحا في العناصر النسائية التي تستكمل مسيرة الرائدات في المسرح.
وتضيف القول أن الفن لا يتجزأ، الفن عطاء، لا يمكن فصل الحياة عن مكملاتها، فحملة فصل الذكور عن الاناث مثلا كانت مهزلة بكل المقاييس تجاه الفن والإبداع.
وتستطرد الفنانة بشرى إسماعيل: أذكر إعدادية التجارة التي درست فيها عام 1975 قبل دخولي للأكاديمية كانت مختلطة في ذلك الوقت، فكيف الآن يحدث العكس في معاهد وكليات الفنون التي تعد وتدعم استمرار أجيال وأجيال ممن يكملون المسيرة. لن يحترق فينا الأمل للطاقات النسائية في المسرح برغم كل شيء، لأن المسرح علمنا كيف نصنع الحياة ونحول الظلام إلى نور.
دراسة
الممثل والمخرج فلاح إبراهيم تحدث عن الأزمة من ناحية أخرى بقوله: الفن في العالم يعكس تطور وتحضر المجتمع أو العكس، في الستينات والسبعينات كانت بعض العوائل العراقية تعتبر الفن حالة رقي وإبداع، بل وكانت تحرص على أن تدرسه لأولادها، وكان للبنات نصيب جيد في هذا المجال، فعلى سبيل المثال الفنانة الكبيرة آزادوهي صاموئيل كانت أول طالبة معهد في التمثيل، وبعدها التحق بالمعهد الكثير من الطالبات. لكن منذ الثمانينات وبسبب سياسة الحزب الواحد والحروب بدأ دور المرأة ينحسر في دراسة الفن، وأصبح هناك عائق اجتماعي كبير أمام دراسة الفتاة للمسرح والموسيقى حصرا. ومع امتداد الحروب والوضع السياسي والأمني السيئ انحسر بشكل كبير وجود ممثلات شابات في الساحة الفنية. فضلا عن الطامة الكبرى في فصل الاناث عن الذكور في دراسة الفن في معهد الفنون الجميلة. والآن الصورة أصبحت أكثر قتامة مع هذا المد من التشدد الديني، ما سبب ندرة الطاقات المسرحية الشابة من الفتيات إلا ما ندر من بعض الأسماء القليلة والنادرة التي حفرت اسمها بمعاناة كبيرة وسط هذا الجو غير الصحي وغير العادل ثقافيا وفنيا.
أسباب الإنحسار
الممثل والمخرج سنان العزاوي علل أسباب إنحسار ممثلات المسرح الشابات بما يلي: أولا .المتغير السوسيولوجي في المجتمع العراقي بسبب التحولات والمفاهيم المثيولوجية التي انبثقت في مجتمعنا بعد 2003 وهيمنة الطابع الديني أدى الى ظهور تابوات حددت وحجمت الثقافة والفن بصورة عامة. ثانيا.ظهور أنصاف الممثلين والممثلات، وأن كنا هنا بصدد الممثلات في المسرح ممن لا يحملن من الوعي والتجربة لتأهيلهن تسيد المشهد المسرحي، وبالتالي نجد أن هؤلاء الأنصاف ممثل (قرقوز) وممثلة (سقط متاع) أتت من الشارع وتسيدت خشبة المسرح، لتجعل من رب الأسرة العراقية يرفض تماما أن يرسل ابنته للدراسة في معهد الفنون الجميلة وبالذات قسم المسرح. ثالثا.التاريخ الفني للممثلة (س) مرتبط بتاريخها الشخصي والمجتمعي، إذ أننا مجتمعات لاتفصل بين المهنة والسلوك وبالتالي عندما تظهر (س) بتاريخها (المشوه) يحصل رد فعل لدى العائلة العراقية، وتكون هي النموذج لممثلة المسرح. بسبب انكماش الممثلات الرصينات عن الظهور لأسباب لعل من أهمها عدم الوقوف أمام هذه النماذج، ما اتيح لـ(س) تسيدها المشهد الثقافي المسرحي. بدليل أن في فترة السبعينات والثمانينات ظهرت أسماء ممثلات مسرح بمنتهى الرقي لأن تاريخهن الشخصي ليس عليه أية شائبة لذلك كانت العائلة العراقية لا تتحفظ على أن ترسل بناتها للدراسة والتمثيل المسرحي لأن النموذج حينها كان رصينا.
عدم توفر البديل
الفنان طلال هادي تحدث قائلا: كما هو حاصل في كل روافد الحياة في عدم توفر البديل في الصناعات والمهن الحرفية، بدأ المد ينحسر على الفن بكل تفاصيله، مسرح، سينما تلفزيون، وبسبب السياسات الخاطئة والتطرف الديني المتعصب الذي قاد إلى الخوف من الاشتغال في الفن، هذه القضية جعلت من الفنانات وعلى كل المستويات في زاوية ضيقة ومظلمة.
فتوقف كل شيء بسبب هذا التطرف الكاذب. إلا أن هناك مجموعة من الشابات يحاولن تجاوز الظروف ولكن بحذر وخوف، وهاتان الخصلتان ضد الفن والثقافة أصلا لأن الفن حياة، حرية، وخلق.
معاناة وانقلاب
الفنانة نسرين عبد الرحمن ذكرت لنا رأيها أيضا إذ قالت: الفن رضخ مثلما رضخت كل مفاصل الحياة للتغييرات السياسية والاجتماعية وانعكاساتها الثقافية. والفنانات الشابات أمام محنة فنية حقيقية ضمن اسقاطات هدامة لأحلامهن في اعتلاء خشبة المسرح، أنا شخصيا كفنانة عانيت من اختلال كبير حتى على مستوى حياتي الشخصية، إذ فوجئت بتحرج أخواتي مني وخوفهن على زعزعت وضعهن الاجتماعي بسبب كوني ممثلة، فعندما رجعت من سوريا 2012 فوجئت بتسيد التيارات المتشددة ومناجاة فصل الذكور عن الاناث والكثير من التقيدات!! وهذه أكبر كارثة حصلت بعد السقوط.
أزمتنا مع طاقات نسائية تكمل المسيرة على خشبة المسرح كبيرة، ولكنها مرهونة بسلسلة إصلاحات حقيقية، تبدأ من الحكومة إلى أصغر مفصل حياتي، لنستطيع النهوض برفد روح مسرحنا…
------------------------------------------------
المصدر : رجاء الشجيري - الشبكة
0 تعليقات