مجلة الفنون المسرحية
مسرحية
الخفـاشـة
تأليف :حسين
رحيم
الشخصيات
1- رعد شاب
في الثلاثين
2- رباب زوجته
3- رائد
والد رعد
4- القاضي
5- محامي الدفاع
6- المدعي العام
7- مع مجموعة من الكومبارس بادوار صغيرة
ومتنوعة
الفصل الأول
المشهد الأول
المنظر
: جانب
من شارع عام .. رسوم جمليلة لاطفال ،
واشياء رقيقة ، اعلانات وكتابات توضع ان هذه المدينة تعيش بسلام وامان منذ امد
بعيد .
(اصوات من خارج
المسرح)
صوت
يا للبشاعة .. انها نهاية العالم .. نهاية العالم .
صوت
الويل لنا من غضب السماء .
صوت
ليتني مت قبل سماعي هذا الخبر .
(يدخل
بائع الجرائد)
البائع
اقرأ الاخبار ..
اقرأ الاخبار .. اقرأ الاخبار .. كارثة اجتماعية .. جريمة قتل بشعة زوج مجنون يقتل
زوجته . اقرا التفاصيل على الصفحات الداخلية .
(يدخل
مجموع اشخاص ويبدؤون
بشراء
الصحف منه)
رجل
(1) انظر .. انظر اليه .. ياله من مسخ ، انظر
إلى عينيه كأنها ينبوع جهنم.
رجل
(2) صدقت
يا اخي الرقيق .. من اين اتانا هذا المسخ .. انه ليس منا .. انه ليس منا .. فقد
قوض صرح الامان في مدينتنا الوادعة الذي بني منذ عشر سنوات ومازال يعلو .. منذ عشر
سنوات ونحن نعيش الامان الحقيقي ..
رجل
(1) صحيح
.. منذ ان حل بيننا هذا المرض النبيل الذي اخاله معجزة آلية .
رجل
(3) صدقت
معجزة الهية .
الثلاثة وباء الخطايا .
رجل
(3) الذي
حصد كل منابت الشر والخطيئة في المدينة .
رجل
(2) وزرع
الهلع والرعب في قلوب المجرمين .
رجل
(1) كلما
ارتكب شخص ما جرما او اثما .
رجل
(3) يجدوه
في اليوم التالي جثة هامدة .
رجل
(1) حتى
لم يبق اثر لمجرم او سارق او محتال .
رجل
(2) تنظف
وجه المدينة واصبح نقيا كحليب الامهات .
رجل
(3) حليب
الامهات .. آآ .. بمناسبة الحديث .. امس كنت في دار العجزة ورأيت امك .. هل تعمل
هناك .
رجل
(1) (باضطراب)
شيء .. شيء من هذا القبيل .. وماذا كنت تفعل انت هناك.
رجل
(3) (كمن
بوغت) انا .. انا .. كنت .. كنت اتابع امورا عائلية .
رجل
(2) امور
عائلية تتعلق بوالدك .. اليس كذلك ؟؟
رجل
(3) (بخوف
واضطراب) انا .. كلا .. كلا .. لقد ذهب بمحض ارادته .. نعم هو من طلب ذلك .. ودخل
دار العجزة .. صدقوني لقد اصر على اللجوء.. ارجوكم صدقوني .. انا لم ارتكب اثما ..
انا لم ارتكب اثما .
رجل
(2) اتدرون
.. انا لا ارى في عينيه ما تروه .. بل ارى الوداعة والاطمئنان والوسامة .
(يتذمر
الاخر منه)
رجل
(1) انت
واهم يا اخي .. ان ما تراه هو القشرة الخارجية التي تغلف بؤرة الشرخ والتي هي
اعماقه ، وهو يستخدمها لخداع السذج امثالك .
رجل
(2) ومن
اين لك هذه المعرفة .
رجل
(1) انا
.. اتشك في .. لقد درست علم الاجرام .
رجل
(2) هل
رأيت مجرما ؟؟
رجل
(1) ماذا
؟؟ .. ان علم الاجرام يبحث في الجمجمة واشتراطات ..
رجل
(2) هل
رأيت مجرما ؟؟
رجل
(1) (محاولا
تغيير الموضوع) ان علم الاجرام .. اوه .. كلا .. لم ار .. وما الضير .. المهم اني
درسته .. ثم هل رايته انت .. لا تقل لي فليس هناك في مدينتنا من رأى مجرما . ومن
زمن بعيد . اليس كذلك .
(يدخل
رجل (4) )
رجل
(4) هل
سمعتم بما جرى .. ما الذي يحصل في الدنيا .. أي جيل عاق هذا .. أي ازواج هؤلاء ..
اتعرفون حال قراءتي الخبر بدأت اخاف على بناتي من ازواجهن .
رجل
(2) أي
نعم ومن حقك ذلك فمدينتنا الوادعة لم تشهد جريمة منذ عشر سنوات.. اليس كذلك .
رجل
(1) (مقاطعا)
مفهوم .. مفهوم .
(ينظر
الاثنان باتجاه رجل (1))
رجل
(2) (باضطراب)
اسمعوا .. لا تنظروا اليّ هكذا .. لقد ذهبت لتتبرع لهم بمبلغ من المال .
رجل
(3) (يقرأ
في الجريدة) اسمعوا ياجماعة .. مكتوب هنا انهم حددوا يوما للمحاكمة وقد تم تكليف
اشهر قاضي تحقيق في المدينة لها .. لاشك بان الكثير من الناس سيحضر هذه المحاكمة .
رجل
(1) طبعا
لقد انتشر الخبر في المدينة كعاصفة هوجاء .. ساسعى لان احضرها ..فلدي قريب في
المحكمة سيحجز لي مقعدا في القاعة .
رجل
(2) ولم
هذا الاهتمام ..اهي مباراة ..ام مسابقة للتسلية ..امركم غريب تتسلون بفواجع
الاخرين .
رجل
(1) بل
اكثر .. يجب ان تعرف ان الناس هنا في هذه المدينة لم تشهد منذ عشر سنين أي جريمة
او سرقة او حتى مخالفة .. الا يكفي هذا الاهتمام.. ثم انها فرصة لرؤية مجرم حقيقي
.
رجل
(3) صدقت
فنحن لا نعرف شكل المجرمين الا في التلفاز والكتب .. هيا بنا نستوثق الخبر .. هيا
(يخرجون
جميعا)
(إظــــــلام)
المشهد الثاني
المنظر
: قاعة
المحكمة .. القاضي في الوسط بين اثنين من المستشارين ، على يمين المسرح قفص
الاتهام وهو خال ، على يسار المسرح المدعي العام ومحامي الدفاع.
القاضي
فتحت الجلسة .
صوت فتحت الجلسة
القاضي
اين المتهم ؟؟
المدعي
العام سيدي
القاضي .. انه في الطريق الينا وتحت حراسة مشددة .
القاضي
طيب .. حال وصوله
ادخلوه .
صوت
لقد وصل المتهم ، لقد وصل المتهم .
(يثار
لغط)
القاضي
سكوت .. سكوت ..
(يدخل الحاجب)
الحاجب
سيدي القاضي المصورون
والصحفيون ومندوبو الاخبار يرغبون بالتقاط صورة له داخل القاعة .
القاضي
حسنا .. ليدخلوه
(يخرج
الحاجب لكن موجة من البشر تدفعه فيسقط على الارض
مع
داخلين . ويقف الجميع بانتظار دخول)
المتهم يدخل رعد مع موسيقى مرعبة وهو مقيد بالسلال بشكل مبالغ فيه ،
ويقوده حارسان مدججان بالاسلحة . يقف في الوسط ، يبدأ الجميع باخذ صور له وهم في
حالة رعب وخوف ، وهو ساهم ، يرفع يده ليعدل شعره ، يهرب الصحفيون والمصورون
والحاجب خارجا ، فيما ينبطح الحارسان ارضا يقف رعد لحظة حائرا ثم يتجه إلى قفص
الاتهام لوحده)
(يدخل
الحاجب)
الحاجب
محكمة .
القاضي
فتحت الجلسة ..
مرافعة الادعاء العام تفضل .
(ينهض
المدعي العام)
المدعي
العام السيد
رئيس الجلسة السادة المستشارون .. كما تعلمون سيادتكم ان مدينتنا ومنذ عشر سنين
اصبحت منبعا للامن والسلام لذلك فهي مأولى وملاذ للباحثين عن الامان وراحة البال
وذلك لخلوها تماما من كل انواع الجرائم والجنح والمخافات وسبب ذلك معروف للجميع
فبوجود وباء الخطايا انعدمت كل مظاهر الجريمة والانحراف ، لكن بعد جريمة هذا
المتهم البشع رحل عنا هذا الوباء النبيل وتوقف عن قصاصة من المجرمين وذلك بعد تلك
الليلة المشؤومة التي اختفى فيها القمر خجلا خلف غيوم الحزن والالم وهاجت الرياح
وزمجر الرعد ولمع البرق على ذلك الجسد المسجى وسط الغرفة والضرج بدمائه ، بكت
السماء ليلتها مطرا غزيرا والمجرم السفاح جالس بهدوء اعصاب امام جسد زوجته البرئية
ينظرا اليها بوجه بارد حتى الصباح . وهناك شيء سأكشفه لاول مرة لمحكمتكم الموقرة
وهو ان المحققين اكتشفوا وجود جثه اخرى في نفس البيت وهذه المرة كانت لوالد المجرم
الذي تبين بعد تشريح الجثة في الطب العدلي انه مات بوباء الخطايا
(لغط
وصياح)
القاضي
هدوء .. هدوء (يطرق
بالمطرقة)
المدعي
العام وهنا
استطيع القول ان الدافع وراء الجريمة قد كشف لنا فالمجرم وانتقاما لموت ابيه
(بوباء الخطايا) قرر الانتقام من زوجته كي يقوض اركان العدالة الاجتماعية وظل
متحفظا بصمته ظننا منه ان هذا سيبرئه لكن هيهات فاين يد العدالة تطاله لا محالة .
لذا ارجوا من عدالتكم الموقرة انزال اقصى العقوبات بحقه وهي الاعدام وذلك كي نحافظ
على امن وسلام مدينتنا وكي يكون عبرة لمن اعتبر وشكرا .
القاضي
شكر .. اجلس ..
الدفاع
(يجلس
المدعي العام وينهض محامي الدفاع)
محامي
الدفاع سيدي
القاضي حضرات المستشارين .. يشهد الله ان موقفي غير محسود عليه وذلك لان دفاعي عن
شيء يخالف انسانيتي ومبادئي وعواطفي .. لذلك لا استطيع القول سوى ان موكلي يطلب من
عدالتكم تقليل النفقة المفروضة عليه لان حالته المادية لا تسمح له ..
القاضي
(مقاطعا) ماذا ؟ ..
نفقه .. أي نفقه يا رجل؟
محامي
الدفاع (مستدركا)
عفوا .. عفوا سيدي القاضي اقصد الرحمة والرأفة به .. فموكلي لم يكن ينوي الطلاق
أصلاً
القاضي
الطلاق ؟؟.. أي طلاق
هذا .. من اين جئتم بهذا المحامي .
المدعي
العام لم
نجد غيره سيادة القاضي فكما تعرف لقد ترك معظم المحامين المهنة واشتغلوا باعمال
اخرى .
محامي
الدفاع (يبكي)
القاضي
لماذا تبكي .
محامي
الدفاع سيدي
القاضي لقد صمت وصمت لكن افطاري كان بصلة .
القاضي
طيب اجلس فمرافعتك لن
تفيد المتهم في الحالين . (إلى رعد) اسمع يا متهم.. هل ستظل مصرا على السكوت طيب
هذا شأنك .. الحكم بعد المداولة .. رفعت الجلسة .
(اظلام
– موسيقى مرعبة ، ضحكات شيطانية)
(إضاءة
مرة اخرى)
القاضي
قرار الحكم .. بالنظر
رعد
(صائحا) انتظر ..
انتظر .. انتظر سأتكلم
محامي
الدفاع واخيرا
المدعي
العام اعترض
سيدي .. ان اعتراف المتهم جاء متأخرا ولن يفيد ما توصلت اليه هيئة المحكمة من قرار
.
رعد
سيدي القاضي .. ان ما
سأخبركم به شيء خارج منطق العقل والموضوعية .. خرافة برجلين تمشيان على الارض .
.شيء لو اخبرني به احد لما صدقته .. لذلك ابقيته سرا معي ولم ابح به لاحد .. ان ما
حدث لي ياسيدي لم يحدث لاحد حتى ولا في الف ليلة وليلة . وكنا انا وابي نعيشه لحظة
بلحظة اما الان وقد وصل الامر إلى ما وصل اليه .. فلن يضيرني التحدث به .
القاضي
تفضل واخبرنا
رعد
سيدي القاضي .. بدأ
ذلك قبل عشر سنوات
(إظـــــلام)
المشهد الثالث
المنظر
: منزل
مؤنث .. ثلاثة ابواب في الوسط واليمين واليسار اثاث متوسط وانيق وصوره للزوجة
والزوج وصورة والد الزوج .
(يدخل
رعد حاملا كتبه)
(صوته
من خارج المسرح)
رعد
كنا عائلة سعيدة ..
وكنت وحيدهما.. ابي مديرا لمستشفى وزوجتي مشرفة تربوية صارمة وانا موظف بسيط قد
اكتفيت من طموحاتي .. كان التفاهم بيننا كبيرا نحن الثلاثة .
(خلال
الحديث يدخل الاب رائد
وزوجته
رعد رباب ويتبادلون التحية)
صوت
رعد من
خارج المسرح كانت زوجتي انسانة عطوفة ومحبة لكل
الكائنات الحية .. لكنها في الجانب الاخر صارمة وقوية ولا تطيق احد ما ان يخطئ
امامها .
(تدخل
الزوجة احدى الغرف وتخرج
وبيدها
حيوان الخفاش)
رباب
رعد .. رعد .. تعال
انظر إلى هذا الضيف هنا .
رعد
ما هذا .. خفاش ..
كيف دخل هنا ؟؟
رباب
لا بد وانه تاه عن
امه .. يا للمسكين .. انظر اليه ما زال صغيرا
رعد
انتظري يا رباب ..
سأمسك به وارميه خارجا
رباب
ماذا .. يا لك من ..
كيف تجرؤ .
رعد
لكنه قبيح .. انه فأر
بجناحين
رباب
انت مخطئ .. انه جميل
ومسالم .. انظر لقد استكان في كفي كم هو وديع .
رعد
وديع .. كل الحيوانات
عندك وديعة .. الكلاب وديعة ، القطط وديعة ، الثعالب وديعة . وربما الذئاب والضباع
والاسود .
رباب
(بحزم) رعد .. ما هذه
اللهجة .
رعد آسف زوجتي العزيزة .. كنت امزح معك ..
انا اعرف انك تحبين الحيوانات وتعطفين عليها .
رباب اسمع يا رعد .. ان الحيوانات حتى
المفترسة منها قياسا بالانسان كائنات ضعيفة وبالامكان كسب ودها وذلك لانها تخلو من
الخبث واللؤم والنفاق سجايا الانسان التي لم يتخلص منها ابدا وذلك على الرغم من
الانبياء والرسل والقوانين الوضعية فما زال الانسان يخطئ بشكل متعمد ويعتدي ويسرق ويأتي
الفواحش والموبقات دون وازع من ضمير او اعتبار لاي شيء فالبشر يا عزيزي خطاؤن ..
البشر خطاؤن .
(تخرج)
(ديخل
الاب رائد)
رائد
ماذا بها رباب ..
الموعظة اياها عن البشر والحيوانات
رعد
طبعا .. وكل ذلك بسبب
الضيف الجديد
رائد
الخفاش الصغير ..
رأيتها تضعه في الصندوق
رعد
طبعا فهو لا يعيش الا
في العتمة
(تدخل
رباب وبيدها صندوق وفيه خفاش)
رائد
اين وجدت هذا الخفاش
يا رباب
رباب
في الغرفة .. يا له
من مسكين
رائد
لقد دخل رعايتك الان
.
رباب
طبعا يا عمي .. ان
هذه الحيوانات تملك حقا علينا نحن البشر لانها خرساء امام لغط العالم وصخبه .. لذا
لزاما علينا ان نقف معها ونؤازرها .. فهي أرواح لها حق الحياة كما نحن الان رحبوا
معي به .
الاثنان
(بطريقة استعراضية)
اهلا وسهلا بك يا ضيفنا العزيز .
(إظـــــلام)
المشهد الرابع
المنظر
: قاعة
المحكمة .. نفس الحضور السابق .. كل جالس في مكانه .
رعد
وهكذا سيدي القاضي ..
اصبح الخفاش فردا رابعا في الاسرة له ما لنا وعليه ما علينا .
المدعي
العام (بعصبية)
ما هذا السخف .. اوقفت قرار هيئة المحكمة الموقرة لتتحدث لنا عن وطواط تافه .
رعد
سيدي القاضي .. كل
الاشياء العظيمة في الحياة تبدأ بامور بسيطة وقد قيل اول الغيث قطر .. هل اكمل
سيدي .
القاضي
اكمل يا متهم .
رعد
مرت الايام والاسابيع
والخفاش قد اتخذ زاوية في بيتنا وامي تطعمه وترعاه كطفلها .. حتى جاء اليوم الذي
اختفى فيه وبعد ان فتشنا عنه وجدناه في الحديقة متخشبا وعندما عرفت زوجتي حزنت
عليه كثيرا . لكن بعد اشهر وكنت عائدا من دائرتي .
(إظـــــلام)
المشهد الخامس
المنظر
: البيت
– نفس المنظر السابق .
(يدخل
رعد حاملا كيسا)
رعد
(مناديا) رباب ..
رباب
(يدخل
الاب رائد)
رائد
انها في بيت الجيران
.
رعد
(بانزعاج) في بيت
الجيران .. اهذا وقت الزيارات .
رائد
لقد ذهبت لتعزيهم .
رعد
تعزيهم ؟ فيمن؟؟
رائد
ام سلمى .. جارتنا ..
ماتت هذا الصباح .
رعد
الدلالة .. قبل يومين
كانت تقف امام بيتهم تشتم وتصرخ ولا احد يجرؤ على الرد عليها . اوردعها .. عموما
حسنا فعلت فقد تخصلت الحارة منها .
رائد
لا يا بني .. الموت
حق علينا .. ويجب ان نطلب للميت الرحمة .. وهناك تتلقى الحساب .. وليس الان .
(تدخل
رباب)
رباب
اهلا رعد .. متى جئت
رعد
قبل قليل .. ها ..
اخبرني .. كيف ماتت ام سلمى الدلالة ؟؟
رباب
(باستعجال) ماتت ..
ماتت .. كما تموت النساء .. ساعد لكم الغداء
(تخرج
، تتحدث من الخارج)
رعد
حقا .. ، ابي .. هل
كانت تعاني من مرض ما .
رباب
لا ادري .. لكنهم
يقولون ان سبب الوفاة هو فقر دم حاد .. او نزيف داخلي.. لا ادري .. هيا إلى الغداء
.
رعد
اتعرف يا ابي .. ربما
لن يتأسف احد ما عليها .. فقد كانت امرأة سيئة السمعة وسفيهة وتتاجر بالممنوعات في
الخفاء اتذكر قبل يومين والمعركة التي افتعلتها مع رباب .
رائد
صحيح يا بني .. لكن
انظر إلى زوجتك رغم افتراء ام سلمى عليها واعتدائها فقد ذهبت معهم إلى المقبرة
وساعدتهم . هذه هي الاخلاق .
رباب
(من الخارج) ان
الاخلاق واجب والتزام على المرء ان يؤديه حتى لو اغضب ذلك الاخرين .. فالعبرة
بالنتائج .
(يندهش
الاثنان لحظة ثم يضحكان
بشكل
مكتوم)
(إظـــــلام)
المشهد السادس
المنظر
: قاعة
المحكمة .. نفس الحضور السابق وقد ظهر عليهم الاهتمام وخصوصا القاضي.
رعد بعد شهرين .. ماتت امرأة اخرى سيئة
السمعة ايضا وبالمرض السابق نفسه .. ثم اخرى .. واخرى .. هكذا توالت الميتات
لهؤلاء النسوة .. واصبح ورود اسم امرأة ما في مكان ما كاف لتموت في اليوم التالي
.. حتى اصاب هؤلاء النسوة الهلع والرعب وعشن في خوف دائم وقسم كبير منهن تبن إلى
الله وبدأن بالصلاة والتقوى .. ظنا منهن انها لعنة الفساد والفجور .. وان هذا
العقاب من السماء على افعالهن .
القاضي
طيب وما علاقة هذا
بقتل زوجتك .
رعد
في بادئ الامر نعم ..
لكن فيما بعد اخذت الشكوك والظنون تضرب في رأسي كطبول الافارقة في الحرب .
القاضي
شكوك .. أي نوع من
الشكوك هذه .
رعد
في الحقيقية يا سيدي
.. لا ادري .. لكنها اشبه ما تكون باستنتاج او استقرار لافعال معينة او امور اخرى
تجمعت وشكلت هذا الظن والشك .
القاضي
ما هي ؟؟
رعد
في الحقيقة والواقع
.. هي تقع بين ..
القاضي
(مقاطعا) .. اختصر
رجاء .
رعد
حاضر يا سيدي .. في
الواقع اكتشفنا ان جميع النسوة اللواتي متن ، كن قبل يوم من موتهن مع زوجتي بصورة
او بأخرى
القاضي
وماذا يعني هذا ؟؟
رعد
قلت مع نفسي .. ربما
تعرف شيئا عن موت هؤلاء النسوة
القاضي
طيب وماذا فعلت بعد
ذلك
رعد
اقول لك .. في يوم
دخلت غرفة نومنا وفتشت السرير علني اجد شيئا ما يرشدني .. فلم اخط بنتيجة .
محامي
الدفاع هل
سألتها ؟؟
رعد
نعم
محامي
الدفاع ماذا
قالت ؟؟
رعد
ظهر الغضب الشديد على
وجهها واحمرت عيناها .. كان غضبها مخيفا .. لدرجة لم اجرؤ على الحديث امامها بعد
ذلك .
محامي
الدفاع طبعا
.. لها الحق في الغضب .. فأنت تتهمها وهي زوجتك اتريد منها ان ..
القاضي
(مقاطعا) اسكت يا اخي
.. هـه .. ماذا حصل بعد ذلك اكمل اكمل
رعد
حصلت اشياء واشياء
حيث ان
(يتكلم
رعد بالبانتوما ميم موسيقى مرعبة)
(إظــــلام)
المشهد السابع
المنظر
: البيت
نفسه .. الاب رائد جالس يقرأ في جريدة
(يدخل رعد مهوما)
رعد مساء الخير يا أبي .
رائد ما بك يا رعد .. ارى في عينيك ما يشغلك
. اليس كذلك طيب .. اخبرني افصح عن دواخلك علني اساعدك
رعد انه لا يتعلق بي يا أبي .
رائد بمن اذن ؟؟!
رعد انها زوجتي رباب .
رائد رباب .. مابها هل حدث لها شيء .. أهي
مريضة .. تكلم يا بني لقد اقلقتني
رعد كلا .. كلا .. لا تشكو من شيء .. انها
بأحسن حال
رائد الحمد لله .. اذن ما هنالك يا بني ..
اخبرني بسرعة .
رعد حاضر .. اتعرف موضوع النساء الميتات .
رائد طبعا .. لقد قرأت للتو تحقيقيا جميلا
حوله في الصحيفة يؤكد فيه كاتب المقال انه اشبه بالوباء فجميع ضحاياه من صنف واحد
وماتوا بنفس الطريقة .. اتعرف لقد اطلق عليه اسما ظريفا .. وباء الخطايا .. حقا
اسم على مسمى .. لكن ما علاقة هذا بزوجتك رباب ؟
رعد هنالك علاقة .. اعتقد ان زوجتي هي ..
رائد (ينتفض مرعوبا) ماذا .. زوجتك .. كيف
تقول هذا الكلام يا بني .. هذا شيء غير منطقي .. انا لا اصدقه انك تمزح ولا شك .
رعد وانا ايضا لم اصدقه في بادئ الامر لكن
يقيني الان كبير بان زوجتي لها علاقة وطيدة بالامر .
رائد كيف توصلت لهذا اليقين .. هيا اخبرني ؟؟
رعد لقد تأكدت بان جميع النساء الميتات كن
قبل موتهن في زيارة لزوجتي
رائد حتى لو .. ماذا يعني .. ربما هي مصادفة
.
رعد كلا ليست كذلك .. لانها تكررت كثيرا .
رائد طيب .. ماذا تقول انت
رعد لا ادري يا أبي فالحيرة والخوف يدوران
في رأسي خصوصا بعد ان وجدت هذا في الغرفة
(يخرج
من جيبه منديلا مبقعا بالدم)
رائد انه منديلي .. ما هذا الدم الذي عليه
رعد لقد فحصته في المختبر واتضح انه دماء
لاكثر من شخص
رائد (ينتفض مرعوبا) ماذا تقول ؟؟
رعد سأقول لك .. (تدخل الزوجة رباب)
رباب أي حديث شيق يجعلكما تسهران حتى خذه
الساعة .
(يجفل
الاثنان فيخفي رائد المنديل)
رائد اهلا رباب .. تفضلي واجلسي يا ابنتي
(محاولا تغيير الموضوع) .
رباب شكرا يا عمي . (صمت) اراكما مضطربين كمن
ضبط متلبسا .
رائد لا شيء .. فقط كنا .. كنا نتحدث ..
دردشة عادية .
رباب دردشة .. احقا ذلك يا رعد
رعد (يحاول اخفاء اضطرابه) طبعا يا زوجتي
العزيزة
رباب صدقت . (ينهض) تصبح على خير يا ابي ..
نكمل حديثنا غدا .
رباب (بغضب ممزوج بدهشة) ماذا؟ تكملان ماذا؟
.. أي حديث .. هيا اخبراني بسرعة .. ماذا هناك .
رعد (بخوف واضطراب) انا .. انا لم اقل شيئا
.. صدقيني يا رباب .
رائد (محاولا تدارك الموقف) ما بك يا ابنتي
.. رعد لم يقل شيئا .. وكنا نتحدث عن وظيفته .. اليس كذلك يا رعد .
رعد فعلا يا أبي .. عن الدائرة وعن المدير
وعن الفراش والموظفين حديث .. دردشة .
رباب (تضحك) ان الكذب باد على وجهيكما كلطخة
حبر على قماش ابيض وانتما تحاولان اخفائه .. حسنا ساخبركما انا عنه انه عن النساء
الميتات اليس كذلك ايها المشاكسين .. وكنتما تحاولان ربط الموضوع بي .. اليس كذلك
.. تكلما.. قولا اني كاذبة .. هل تستطيعان
رائد كيف نظن بك السوء يا ابنتي
رباب اذن لم اخفيت المنديل .. وانت يا رعد
ماذا تقول .. تكلم .. تكلم ايها الزوج المخلص .. الوفي .. تتهمني بالقتل .. انا ..
زوجتك .. حبيبتك .. ماذا فعلت يا ربي كي استحق كل هذا العذاب .
(تتحول
من حالة الغضب الشديد
إلى
البكاء والحزن العميق)
(يؤثر
فيهما ذلك فينهضان اليها
ويعتذران
منها)
رعد رباب .. ارجوك سامحتني .. فأنا لم اقصد
ارجوك انا لا احتمل دموعك ..
رباب (يتغير صوتها) اذن فأنت نادم على ظنك بي
.
رعد جدا .. هل سامحيني .
رباب وهل استطيع غير ذلك .. فانت زوجي وحبيبي
.
رائد (بفرح) لقد اصطفت القلوب واطمئن الفؤاد
، بهذه المناسب السعيدة انتم مدعوون على حسابي الخاص للعشاء في مطعم فاخر .
رعد اوه مطعم فاخر .. حيث الموسيقى الشاعرية
والهدوء والفخفخة .. (يمثل دور النادل امامها) ماذا تطلبين سيدتي ستيك ، قوزي ،
سكالوب .. كباب ..
رباب اسفة يا زوجي العزيز فانا لا استطيع
حضور الدعوة .. خصوصا في الليل
رعد ماذا يا عزيزتي .. هل هناك شيء يمنعك ..
هل تتألمين من شيء؟؟
رباب كلا ولكني اكون في عالم اخر
رائد عالم اخر .. ماذا تقصدين
رباب اقصد .. اقصد عالم النوم والاحلام ..
اذهبا انتم ودعاني هنا
رعد كيف يا عزيزتي والدعوة على شرفك .. هذا
لا يمكن ان يحدث .. تعالي ارجوك .. سأخذك لطعم فاخر يقدم الطبق الذي تحبين ستيك
بالبهارات وسكالوب .
رباب (بانزعاج واشمئزاز) اوه كلا .. كلا ..
ان معدتي اصبحت حساسة تجاه الاكل الصلب ثم انا اكره الاماكن العامة والاضاءة
الكثيرة
رعد حاضر يا سيدتي طلبك متوفر . (يكتب)
اماكن نصف مضاءة ، اكل يغلب عليه طابع السيولة وهناك طبق يتوفر فيه ما ترغبين .
رائد ما هو يا رعد .
رعد انه طبق الماء بالثلج .
(يضحكون)
رائد ثم ان شهيتك قد قلت عن الطعام اليس كذلك
يا رعد .
رعد صدقت انها بالكاد تآكل .
رباب انني اطبق نظاما قاسيا قليلا في الرجيم
.
رعد ولم هذا الرجيم اللعين يا عزيزتي فانا
احبك كما انت لا كما ستكونين (يؤشر بيده علامة النحافة والسمنة) ثم لم هذا التخفيف
والشحوب .. هل ستشتركين في فرقة بالية وترقصين امام الجمهور هكذا .
(يبدأ
القيام بحركات راقصة
فيسقط
وتجرح اصبعه)
رائد ما بك يا رعد .. هل تأذيت يا بني .
رعد انه جرح بسيط يا ابي . في اصبعي .
رائد طيب اذهب إلى الحمام وضمده قبل ان يتلوث
انك تنزف ..
رباب (كمن انتبه) لا حاجة لذلك .. هات يدك ..
سأضمده بنفسي
(تضع
اصبعه في فمها)
(ثم
تخرجه)
رعد يا الهي .. لقد انقطع الدم .. كيف فعلت
ذلك يا رباب .
رباب انها طريقة قديمة في العلاج مضمونة
النتائج .
(تتبسم
بخبث)
(إظـــلام)
الفصل الثاني
المشهد الأول
المنظر
: قاعة
المحكمة .. حالما تفتح الستارة ، ينتفض الجميع من مكانهم / القاضي/ المدعي العام ،
محامي الدفاع . المستشارين .
القاضي ماذا ؟ .. ايعقل هذا ؟؟
رعد انها الحقيقة يا سيدي ، ولك ان تتصور
وقعها المرير عليّ .
المدعي العام (يصفق) رائع .. رائع .. هكذا تكون
المخيلة والا فلا .. قصة ملأى بالإثارة والتشويق .. كفى .. كفى تلاعبا بمشاعر هيئة
المحكمة بعملية رخيصة لتبرير جريمتك البشعة ، ومحاولة الصاق التهمة بزوجتك .. هذه
الانسانة التي اخلصت لك .
رعد سيدي انا لست قاتلا .. صدقني .. لقد
حاولنا ان ابعادها عن هذا الفعل الشنيع .
المدعي العام طيب .. ما هو الدليل على ما تقول .
رعد لدي الدليل .. لدي .
القاضي (بأهتمام) سنأتي إلى الدليل فيما بعد ..
اكمل الان اكمل .
المدعي العام لكن يا سيدي .. (يؤشر له بالصمت)
رعد سيدي القاضي ، بدأنا انا وابي ..
بالتفكير بشكل جدي في معالجة الامر والتستر عليه وذلك خوفا من الفضيحة ولكن قبل
هذا وضعنا خطة محكمة كي يطمئن قلبينا . كانت خطة ذكية .. ولكن ما حدث كان الاذكى
والاغرب .
(إظـــــلام)
المشهد الثاني
المنظر
: البيت
نفسه .. رعد وابوه رائد وبيده قنينة دم .
رائد اسمع يا رعد .. سأضع قنينة الدم في مكان
بارز وعليك انت بالمراقبة ، يجب ان لا تغفل عن عينيك ثانية واحدة .. حاول ان
تتظاهر بالنوم .. هل فهمت .
رعد حاضر يا ابي
(يضع
الاب قنينة الدم
في
مكان بارز)
رائد سأذهب الان
(يخرج)
(يجلس
رعد ويراقب .. صوت زوجته من الخارج
يتظاهر
بالنوم)
رباب رعد .. رعد .. اين انت (تدخل) اين ذهب .
(تراه) اوه انه نائم .. يا زوجي الحبيب ، (تقبله)
(تحاول
الخروج فتشتم شيئا وتقوم بالبحث
تصل
القنينة ، تأخذها وتضمها إلى صدرها
وتبدأ
بالرقص ثم تخرج لكنها تعود بعد لحظات
لتضعها
في مكانها (وتخرج)
رعد يا للأسف .. لقد اعادت القنينة .. لكن
لم اعادتها .. ربما لا تستسيغه الا بالطريقة القديمة (يمسك بالقنينة ويشمها) يالها
من رائحة طيبة (يتذوق قليلا منه) انه لذيذ .. نعم لذيذ ومذاقه رائع .. لهذا تراهم
يفضلونه على كل شيء . (يصمت لحظة ثم ينفعل) يا الهي ماذا فعلت و .. ماذا قلت ..
انني .. انني استسيغه .. بل التذ بطعمه هل انا .. طيب لم لا اكون .. الست زوجها
وحبيبها.
(يجلس
مذهولا وبيده القنينة)
(يدخل
الاب رائد)
رائد ما بك يا رعد .. اراك واجما ، مدهوشا
وكأن جبلا يقف على رأسك .. ثم ما هذه القنينة في يدك .. ؟؟
رعد (برعب) انني .. انني .. خائف جدا يا ابي
.
رائد لماذا .. ما الذي حدث ؟؟
رعد لقد .. لقد .. بدأت استسيغه .. التذ
بطعمه يا ابي
رائد ماذا .. نلتذ بطعمه (يأخذ القنينة من
يده) سأعيدها للمستشفى .. نلتذ بطعمه ، ما هذه الخرافات .. انها تقطر .. هل عبثت
بها يا رائد ؟؟ .
رعد كلا .. فقط تذوقته (بخوف وحزن)
رائد كيف وهي لا تفتح ابدا .. ثم ما هذا ، ان
لونه غريب . (يتذوق منه) اووه .. انه لذيذ ومن النوع الممتاز .
رعد (بخوف شديد) يا الهي .. ابي .. ابي ..
انت ايضا .. ماذا حل بنا؟؟
(يشرب
الاب)
رائد خذ اشرب .. اشرب وهدئ اعصابك المرهقة
رعد لا .. لا .. ارجوك يا ابي .. لا يمكن ان
يحدث هذا لا اصدق عيني .. لا .
رائد (ببرود) ماذا بك يا بني .. كل هذا الخوف
والهلع لانني .. لانني .. شربت .. شربت عصيرا مرطبا
(يضحك)
رعد (بدهشة) ماذا .. ماذا قلت .. عصير .؟؟
رائد ومركز يا ولدي .. مركز .
رعد اتعني انه ليس .
رائد طبعا يا رعد .. لقد استبدل بواحد اخر
رعد وانا الذي ظننت ان .. يالها من داهية
زوجتي هذه ، لقد بدلته بسرعة شديدة .
رائد اذن شكوكنا في محلها .
رعد والحل يا ابي .. انا خائف جدا ، وحزين .
رائد لك الحق في ذلك .
رعد يجب ان نجد حلا .. قبل ان تحدث كارثة .
(تدخل
الزوجة فيسرع الاب باخفاء
القنينة)
رباب اهلا عمي .. اراك عدت مبكرا .
رائد أ أ صحيح .. لقد اخذت اجازة قصيرة ..
لدي عمل في المدينة
رباب (بخبث) صدقت يا عمي العزيز .. كيف حالك
يا رعد .. لقد كنت نائما قبل قليل ولم اشأ إيقاظك .
رعد شكرا لك يا عزيزتي .
رائد هل عرفت يا رعد .. لقد اسند لي منصب
مدير مدير مصرف الدم .
(يظهر
الفرح والانشراح على وجه رباب) لكن هذا المنصب لا يغير من وضعي المادي .. بل على
العكس انه عبء جديد علي لذلك افكر بالاعتذار عنه .. ما رأيك .
رباب لا .. لا .. يجب ان تفعل ذلك .. هل فهمت
.
(ينظر
الاثنان اليها باستغراب وذهول)
رباب (تستدرك وتغير صوتها) اعني .. اعني انه
منصب انساني ذي هدف نبيل .. فكر يا عمي .. فكر بالذين هم بحاجة فعلية إلى دماء ..
كي .. كي تنقذ حياتهم.. فكر بالعطشى .. اقصد بالمرضى الراقدين في المستشفيات .
رائد معلوم ذلك يا ابنتي معلوم .. لكنني سأدع
غيري يحمل اعباء هكذا مسؤولية انسانية .
رباب (بلهفة) ولم لا تكون انت .. حامل راية
انقاذ البشرية المعذبة .. المتعطشة إلى قطرة من .. من .
الاثنان من الدماء الانسانية الطازجة .
رباب هذا ما عنيته .. فالدم اروع سائل وجد في
الكون .. فهو ماء الحياة الاحمر ونبض اشراق الانسان .. ان لونه القاني يعطي للكائن
البشري الفاني لمحة رائعة من عنفوان خالد .. الدم ، هذا السائل اللزج ، الطازج ،
آه .. انا عطشى.. انا عطشى .
(تنهار
يمسك بها رعد)
رعد اجلسي سآتيك بقدح من الماء الطازج
(بسخرية)
(يأتي
بالماء فتشرب قليلا
منه
ثم تبصقه)
رباب (بتقزز) ماء ؟ .. لا اريد الماء .. لا
اريد الماء
رعد ماذا تريدين يا عزيزتي ؟؟
رباب اريد .. اريد
(تضحك
ضحكة شيطانية
فيظهر
لها نابين .. موسيقى
مرعبة
/ اضاءة بالوان .
يهرب
رائد ورعد)
(إظـــــــلام)
المشهد الثالث
المنظر : قاعة المحكمة .. القاضي ومعيته قد
تجمعوا وراء طاولة القاضي وهم في خوف شديد
القاضي هـه .. و .. وما .. وماذا حدث بعد ذلك.
المدعي العام ارجوك .. من فضلك اكمل .
محامي الدفاع (ببلاهة) لقد امتصت دماء اباك اليس كذلك
؟؟
القاضي لقد انكشف كل شيء .. اضطررنا لحبسها في
الغرفة .. ثم قرر ابي ان يعطيها قنينة دم .. رأس كل شيء قمري حين تكون في اوج
هياجها وجنونها .. استمر جنونها واستمر حبسها واستمر معها قناني الدماء منعا
لارتكاب جرائم جديدة باسم الخطئية . وكانت النتيجة ان تفصل فصل ابي من وظيفته
بتهمة السرقة والاختلاس بعد فقدان كمية من قناني الدم . وبدأنا نشتري لها الدم من
السوق السوداء حتى افتقرنا .. عندها كانت تلك الليلة وفي منتصفها والقمر بدر من
نار بيضاء يطل كل لحظة من بين كتل من غيوم سود تملأ السماء قتامة وكمدا وصوت الريح
يأتي من خارج المنزل عواء غاضب وحزين لآلاف الذئاب العطاش للدماء البشرية والرعد
والبرق اجراس انذار بالخطر المحدق بنا من عشرات الارواح الشريرة التي جاءت من عالم
الظلمات باحثة عن ضحايا ابرياء . وكنت جالسا امام باب غرفتها اتنصت لصوت العاصفة
خارج البيت.. وعيني على اكرة الباب
(إظـــــلام)
المشهد الرابع
المنظر : البيت . الوقت ليلا ، رعد يجلس امام باب
غرفة النوم التي فيها زوجته ، موسيقى مرعبة / مؤثرات ، اصوات رياح ومطر ورعد .
تتحرك اكرة الباب .
(صوت
رباب من داخل الغرفة)
رباب رعد .. رعد .. افتح الباب .. افتح الباب
.
رعد (بخوف) رباب .. ارجوك .. اهدئي .. اهدئي
.
رباب رعد افتح الباب وكن زوجا مطيعا .
رعد لا .. لا . ارجوك اهدئي ودع هذه الليلة
تمر بسلام .
رباب (تهز الباب) قلت لك افتح الباب (بعصبية
وغضب) افتح الباب .. افتح الباب (يتغير صوتها إلى رقة واستعطاف) رعد زوجي الحبيب
.. ارحم زوجتك المسكينة المعذبة انا لا ادري ماذا يحصل لي .. انني اتعذب (تبكي)
ارجوك خلصني من هذا العذاب ودعني اخرج .. اتوسل اليك .. هل نسيتني يا رعد .. هل تتذكر
تلك الاغنية عندما كنا في شهر العسل (تغني)
(يتقدم
رعد نحو الباب
وعندما
يصل يتغير صوتها بشكل مخيف)
رباب (تصرخ) افتح الباب .. افتح الباب .
رعد لن افتح الباب ولا تحاولي الهرب من
النافذة فهي مسيجة بالحديد .
رباب هكذا اذن
(تضحك
ضحكة شيطانية
يعقبها
لحظة صمت)
رعد الحمد لله .. لقد هدأت .
(يدخل
الاب رائد)
رائد هل نامت ؟
رعد نعم يا ابي .. اعتقد ذلك .
رائد طيب يا بني اذهب انت وخذ قسطا من النوم
فقد تعبت كثير .. ساخذ مكانك .. عسى ان تمر هذه الليلة بسلام .
رعد اذهب انت يا ابي .. لست راغبا بالنوم .
رائد لقد هدأ كل شيء .. حتى العاصفة التي
بالخارج .. انه صمت غريب ..
رعد انا لا يعجبني هذا الهدوء . سأتأكد
قليلا
(يذهب
إلى الباب ويتنصت
موسيقى
تنذر بوقوع شيء
فجأة
ينخلع الباب . تخرج رباب
وقد
تحولت لشكل بشع . يسقط رعد
على
الارض)
رباب (بصوت ضخم مع صدى) لم تمنعوني من الحياة
.. لم تحجرون عليّ اهذا جزاء ينظيفي المدينة من المجرمين والحثالة .. الا يكفي
انني اخلصكم من ندوب تشوه وجه المدينة
رائد رباب .. ارجوك يا ابنتي ، لا تروي ظمأك
بي .. فأنا ليست لي رغبة بالموت.
رعد رباب .. انا زوجك .. هل نسيت .. اتذكر
ليلة زفافنا .. في ذلك الفندق .. اتذكرين حين جرحت اصبعك وانت تقشرين التفاحة ثم
.. ثم اغمي عليك (يضحك بتصنع) حين .. حين رأيت الدم .
رباب الدم .. معشوقي الاول
رعد ياه .. كم .. كم كنت شفافة ورقيقة كزهرة
من كريستال اتعرفين منذ تلك اللحظة وانا احبك .. نعم احبك .. ارجوك لا تقتليني .
رائد وانا .. وانا كذلك .
رباب اذن انتما خائفين من ان اقتلكما .. كلا
اطمئنا .. فأنا لا اقتل من يساعدني في مهمتي المقدسة .. وانتما ساعدتماني لكن ..
اياكما واعتراض طريقي .. اياكما..
(تخرج)
(ثم
تدخل مرة ثانية .. فيجفل الاثنان)
رباب لاتنسيا .. اياكما .
(تخرج)
(إظـــــلام)
المشهد الخامس
المنظر : قاعة المحكمة . الكل داخل قفص الاتهام
ورعد جالس خلف منضدة القضاء.
القاضي وماذا قررتما .. انت واباك.
رعد ماذا ؟؟ .. وهل نستطيع شيئا .
المدعي العام طيب ماذا حصل بعدها .
رعد اووه .. لقد انتشر الخبر في المدينة
واصبح معلوما لدى الجميع .. (وباء الخطايا) الاسم الذي اطلقه احد الصحفيين
بالمرصاد لكل مجرم وعاق ومحتال.. لدرجة اصبح موت انسان ما هو استعراض لمثالبه ..
لكن لابد من نهاية لشيء ليظهر بعده شيئا اخر اكثر بشاعة ولؤما .. فما حصل بعدها
قلب موازين الامور جميعا ووضعني على محك الحقيقية .. بين ان اكون اولا .. كنت اقف
في مفترق الطرق بين الليل والنهار والماء والنار والجنون والعقل والحياة والعدم..
القاضي هـه وماذا حصل ؟؟
رعد حصل شيء خارق .. شيء خارق
(إظـــــلام)
المشهد السادس
المنظر : البيت . رعد يقرأ في جريدة بصوت مرتفع
رعد مدير الشرطة يصرح لم نعد نشهد جريمة قتل
او سرقة منذ زمن بعيد .. الازواج يخافون طلاق زوجاتهم .. قاضي التحقيق يلعب
الطاولي مع المدعي العام في المقهى .. مدير السجن يقترح تحويل سجنه إلى منتج سياحي
وذلك بعد خلوه من السجناء . (يضحك) (يدخل رائد)
(ويبدو
عليه الإرهاق)
رائد (يناوله جريدة) رعد اقرأ هذا الخبر .
رعد (يقرأ) وفاة صحفي بوباء خطير . ماذا به
.. كل يوم اقرأ من هذه الاخبار .
رائد كلا دقق جيدا .. اليس هو الصحفي الذي
كتب تحقيقيا عن اناس ماتوا بوباء الخطايا وكانوا ابرياء .
رعد نعم .. اتذكره .
رائد اليس هو الذي قال ان الوباء هو من عمل
عصابة او مصاصي الدماء .
رعد نعم .. نعم
رائد لقد مات الان بنفس الوباء الا يجعلك ذلك
تفكر قليلا
رعد نعم .. لقد فهمت قصدك .
رائد لقد كان ذلك كله غطاء لتبرير جرائمها
وانا وانت مشتركين معها .. ماذا نفعل لقد ازدادت شراسة ووحشية آه .. احس بتعب شديد
وكأني انحدر في بئر عميقة
رعد (برعب) تعب وارهاق .. بئر عميقة ..
بالامس لم تكن تعاني من شيء .. ماذا حدث .. هل تجرأت .. يا للمجرمة .. يجب ان نفعل
شيئا .. ارجوك يا ابي تماسك ولا تدع الضعف يأخذك مني .. ارجوك .
رائد (يتمدد) بني لا فائدة .. لقد دنت ساعة
الرحيل انه عقاب السماء لي .. لكن عليك ان تجد حلا لهذا الموضوع عليك ان تجد حلا
(يمــــوت)
رعد (يبكي) ابي .. ابي .. لا ترحل ارجوك ..
لا تدعني وحدي اتوسك اليك
(تدخل
رباب وهي بشكلها
العادي)
رباب ماذا هناك .. لم تبك يا رعد ؟؟!
رعد لم ؟ .. لم قتلتيه .. لم
رباب من ؟ .. قتلت من .. اخبرني
رعد انظري اليه .. انظري .. ضحيتك الاخيرة
(تجلس
رباب منهارة .. ثم تبكي)
رعد مرحى .. يا للمشهد .. القاتل يبكي ضحيته
، أي مهزلة .. أي جنون .. لماذا الم يكفك طابور الضحايا الطويل الذي خلفته وراءك
.. كي تأتي وتأخذي الحياة من الرجل الذي وقف إلى جانبك وتحمل ما تحمل من تهم
وبطالة وعقوبات وكلها بسببك .. اهذه مكافأته (تزداد بكاء) اسمعي يا امرأة دموع
التماسيح لا تجدي معي فقد طغا خطبك وغاصت ركتبتك في وحل جرائمك .. والان اخبريني
من ضحيتك التالية .. ها .. قولي لا تخجلي .. هل جاء دوري .. هيا فأنا اعرف باني
الضحية التالية .. هيا تفضلي اشربي من دمي .. دم زوجك الطازج .. هيا يا زوجتي
الحنون .. هيا .. فانا ارى العطش في عينيك
(يلاحقها
فتهرب من امامه)
رباب ارجوك يا رعد ان تتوقف .. كفاك تعذبيا
لي .
رعد هيا يا منظفة المدينة من المنحرفين والمجرمين
.. بدعة الخطايا التي مررتها علينا .. هيا ..
رباب ارجوك كف عن هذا .. فانت لا تعرف خطورة
الامر ، دعني اذهب بسلام وسأخرج من المدينة .. هيا لا تعترض طريقي .
رعد كلا لن ارضى بغير هذا .
رباب لكن .. لماذا .. لماذا ؟؟!
رعد لانني اعد نفسي شريكا لك في كل ما
اقترفتيه من جرائم .
رباب (بمرارة واسى) انت لست شريكا يا رعد ..
فانا من يتحمل وزر ذلك كله .. هل فهمت .. نعم انا من كنت ادعوهم واتحايل عليهم ثم
امتص دمائهم ليعودوا إلى بيوتهم ويموتموا هناك .. لكن ظمأي زاد للدماء الطازجة
قصرت اتحول كل ليلة وادخل من الشبابيك والابواب والثقوب لا قتنص ضحيتي .. هكذا ..
دم وراءه دم .. وضحية تلحق باخرى حتى اصبحت شراييني وديانا سوداء يجري فيها نهر من
دم فاسد .. وتشوهت الروح وتصدعت جدران الفؤاد .. لكنه كان يطلب المزيد ولا يرتوي
.. كأنه حمل كل جفاف ويبوسة الصحاري .. وعند نقاء معيني من الجناة تحولت ولا مناص
إلى الابرياء .. وفهم اباك .. الذي ساندني وساعدني الا تبا لي .. سحقا لي .
رعد من هو ؟؟
رباب ماذا تعني ؟؟
رعد ذلك الجفاف الذي يطلب المزيد
رباب (بمرارة واسى) انه شر جاء من قعر الظلام
وحل فيّ ، قوى غامضة ومتجبرة تدفعني دائما لامتصاص كل نداوة وطراوة الكائنات الحية
.. ولا ادريه .. لا ادريه .. اسمع انه نائم الان ويقظته هي بعد منتصف الليل
رعد كتلك الليلة ..
رباب نعم .. هي كذلك .. ارجوك افهمني .. فأنا
لا سلطان لي على ما حدث .
رعد طيب .. والحل .. هل ستستمرين هكذا
مستسلمة لهذا المصير المعتم ..
رباب هنالك حل .. لكنني خائفة .. فلن اعرف ما
سيحصل بعدها
رعد اخبريني يا رباب
رباب لن اخبرك .. لكن سأريك .
رعد هيا يا رباب .. هيا
(ترفع
ذراعها ثم تبدأ بعضها
وتمتص
وهي تدور
حول
نفسها حتى تسقط
منهارة)
رعد رباب .. رباب .. ما بك ؟؟
رباب الحل .. الشيء الوحيد الذي يقتلني هو
دمي .. ان اشرب من دمي .. لانه قاتلي .
(إظـــــلام)
المشهد الأخير
المنظر : قاعة المحكمة . رعد يقف فوق منصة القاضي
والجميع نيام .
رعد هذه هي افادتي وقصتي .. ومأساتي .. يا
سادتي الكرام .. عفوا سيدي القاضي.
(صمت)
المدعي العام (يستيقظ) انه يكذب يا حضرة القاضي ..
يكذب (ينام)
محامي الدفاع (يستيقظ) انه يصدق يا حضرة القاضي ..
يصدق (ينام)
المدعي العام اسكت انت لا تعرف شيئا .. هذا الشخص مجرم ومحتال سيدي القاضي
.. انه بقصته هذه يحاول تبرير جريمته النكراء على المحكمة. قصة ملأى بالخرافات والدجل
والخزعبلات التي لا تعشعش الا في الرؤوس العفنة والفارغة .
(يتقدم
رعد من المدعي العام)
رعد ماذا قلت ؟؟
المدعي العام قلت (بخوف شديد) قلت خـ .. خـ خرافات .
رعد وماذا بعد ؟؟
المدعي العام و .. و .. خـ .. خـ .. خزعبلات
رعد قل لي .. هل تؤمن بوجود مصاصي الدماء
المدعي العام (بخوف) نعم .. نعـ.. نعم يا سيدي .. (صمت) لا .. لا .. كلا انها
خرافات وخزعبلات .
رعد هكذا اذن .. حسنا .. سترى سترى الحقيقة
الان
(يبتسم
فيظهر له نابين
ويهجم
عليه)
ستـــــار
اليوم الاول من عيد الفطر المبارك
16-ك1-2001
0 تعليقات