مجلة الفنون المسرحية
مسرحية "يارب "وإنسجام جميع عناصر العرض المسرحي
مسرحية "يارب "وإنسجام جميع عناصر العرض المسرحي
محسن النصار
عرضت مسرحية "يارب "من اخراج مصطفى الركابي وتأليف علي عبد النبي الزيدي في مهرجان المسرح العربي التاسع في الجزائر وعلى قاعة عبد القادر علوله في وهران
وتناول العرض المسرحي ، السعى إلى الغوص في مأساة الأمهات الثكالى، مأساة الأم العراقية واقع حال الأمهات الأرامل،والثكالى، وإنعكاسات فقدان الأحبة .
لذا جاءت الرؤية الأخراجية في عرض مسرحية " يارب " قائمة على التركيز على هذه الحالات من خلال الحوار في بناء إلية تشكيل الدلالات الصورية والحركية , وأعطاء اهمية للغة الصمت , وكأنت فلسفة العرض إصبحت مشروطة بشروط من خلال أم لعدة شهداء عراقية يخولنها امهات الشهداء للتفاوض مع الرب من اجل وقف القتل الذي يتعرض له الابناء فتطرح شروطها بأن يوقف الله القتل خلال 24 ساعة والا فهن سيضربن عن الصلاة والصيام، فتذهب الى الوادي المقدس (طوى) وهناك تحاول ان تتحدث مع الرب , ومحاولة إعطائه مهلة 24 ساعة لأيقاف عجلة الموت التي تحصد الأبناء وترمل الزوجات , وتعمقت هذه الفكرة كمحور أساسي في بناء النص وفي إلية تشكيل الرؤية الأخراجية من قبل المخرج لأختياراته في طرح رؤياه الأخراجية لتركيب عملية بناء العرض المسرحي لتأكيد الحوار المتسارع والمتصارع بين الأم وبين مناجات الذات الألهية في محاولة من الأم في ايجاد منفذ لتأكيد صرخاتها ومعاناتها كأم عراقية عانت من الجراحات والمأسي التي خلفتها الحرب والأرهاب .
ومن عذاب مستعر كان يصارعه زمن فقدان المسايرة مع الذات وفقدان الثقة والألفة مع المجتمع وهي تستحضر فزعها ومعاناتها التي تحاول تأطيرها بكفن العذاب والتذمر والموت , لتقترب بصرخاتها الى الرب لتحقيق رغبتها في ان تعيش بسلام مع باقي الأمهات اللاتي افجعن بفقدان الأولاد والأحبة , ومطلبهن الوحيد هو ايقاف نزيف الدم , من هنا بدأت بلورة الرؤية الأخراجية للعرض المسرحي المبينة بشكل اساسي على الحالة العراقية للأم المفجوعة والمجروحة هذه الحالات والدلالات جعلت من العرض المسرحي محكوما حواريا بحيث تكون المفردة الحوارية قائمة على الخروج من الواقع نحو الطقسية في مجريات الأحداث المسرحية , ...مزوجا بعملية أدخال وتوظيف التقنيات السينمائية كشاشة العرض في الخلفية التي رافقت العرض المسرحي منذ البداية عند دخول الصالة ،
استُهل بغلق باب المسرح الخارجي في وجه الجمهور المتلقي لغرض عرض مشاهد مصورة في البهو الخارجي للمسرح، وكأنها مشهدا استهلاليا للمسرحية، مؤكدة بأن العرض سيكون 10 دقائق حسب الإشارة الاستهلالية، التي جاءت مملة جدا للمتلقي والتأكيد على الأسطوانة المدمجة التي سيتم توزيعها لتعمق علامات الاستفهام العديدة التي طرحها العرض، من دون أن تضيف افعالا درامية مؤثرة.
وأقحم المخرج في العرض المسرحي الحالة اللبنانية من خلال فيلم «هلا لوين» للبنانية نادين لبكي، وهلّأ لوين هو فيلم لبناني أنتج عام 2011وعُرض الفيلم لأول مرة في 16 أيار 2011 في مهرجان كان السينمائي وعرض لقطات على الشاشة، وتدور أحداث الفيلم اللبناني في قرية صغيرة معزولة عن محيطها، يسكنها مسلمون ومسيحيّون. بعد تركيب جهاز تلفزيون في أحد منازل القرية۔ تندلع المشاحنات الطائفية بين رجال القرية. في محاولة لتخفيف من حدّة المشاحنات، تلجأ نساء القرية إلى بعض الحيل والخدع. تقوم النساء باستقدام راقصات ذي أصول أوروبية شرقية لإلهاء الرجال عن المشاكل الطائفية. ثم تقوم بخبز الحلوى ودسّ الحشيشة والأدوية المخدّرة فيها في محاولة لسحب السلاح من القرية ودفنه. وأخيرا، تعلن كل امرأة تغيير دينها لوضع الرجال تحت الأمر الواقع المسيحية تعتنق الإسلام والعكس .
وكانت شخصية الأم التي قامت بأدائها الفنانة سهى سالم متميزة من ناحية الأداء الأكاديمي المتقن من ناحية تقمص الشخصية والتلوين في الألقاء حسب رود أفعال الشخصية وتجسيد أبعادها بدقة وتقنية عالية في الأداء التمثيلي أعطت صور دلالية للحوار لأنعاش الفكرة الفلسفية في مناجاة الذات الألهية بجو نفسي اعتمد الطقسية في جمالية الأداء بحيث أخرجنا من الواقع الى نوع من القداسة رغم تعمق الصراع في نزول النبي موسى علية السلام الذي قام بأداء الشخصية الفنان فلاح ابراهيم فقد كان أداءه للشخصية قدسيا ومتميزا ومتأثَّرا بتلك الشخصية العظيمة للنبي موسى علية السلام فقد كان إلقاءه يشعُّ نورًا وقدسية مما أسهم في غرس احترام كبير من قبل الجمهور المتلقي لهذه الشَّخصية العظيمة في نفوسهم .
وأما الممثلة زمن الربيعي , فقد كان حضورها قويا في العرض المسرحي رغم انها لم تنطق بكلمة واحدة فقد كان أدائها منسجماً مع مجريات الفعل المسرحي للعرض ومع الديكور ومع الأزياء البيضاء التي ترتديها هي وشخصية الأم بأزيائها السوداء الى جانب تناسق أزياء النبي موسى فقد كانت عملية الانسجام التام بين ألوان الأزياء والديكور مع الإضاءة المؤثرة والموسيقى واالفضاء والمكان لعبت دوراً مهماً في أنسجام جميع عناصر العرض المسرحي وفي خلق سينوغرافيا خدمت الرؤية الإخراجية للعرض المسرحي .
0 تعليقات